القائمة الرئيسية

الصفحات

"بيان تلبيس الأشاعرة لتقسيم الشافعي البدعة إلى محمودة ومذمومة"

 



قال الإمام الشافعي- رحمه الله -: ((البدعة بدعتان: بدعة محمودة، وبدعة مذمومة، فما وافق السنة، فهو محمود، وما خالف السنة، فهو مذموم)) واحتج بقول عمر في قيام رمضان:

"نعمت البدعة هذه" رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (9/ 113)


و قال: ((المحدثات من الأمور ضربان: ما أحدث يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً، فهذه بدعة ضلالة. وما أحدث من الخير لا خلاف لواحد من هذا، فهذه محدثة غير مذمومة. قد قال عمر في قيام رمضان: "نعمت البدعة هذه".)) أخرجه البيهقي في "مناقب الشافعي" (1/ 469).


هذا النص مما يحتج به الأشاعرة على تقسيم البدعة إلى محمودة ومذمومة ويضعون حجة بشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- فيما صحح نقلا عن البيهقي في مجموع الفتاوى (20/ 163).


قال ابن لابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم (ص 267) في توجيه كلام الشافعي :


"ومراد الشافعي رضي الله عنه ما ذكرناه من قبل أن أصل البدعة المذمومة ما ليس لها أصل في الشريعة ترجع إليه وهي البدعة في إطلاق الشرع وأما البدعة المحمودة فما وافق السنة يعني ما كان لها أصل من السنة ترجع إليه وإنما هي بدعة لغة لا شرعا لموافقتها السنة".


وبالعودة إلى القصد من قول عمر رضي الله عنه فيما رواه البخاري عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ القَارِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : " خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى المَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلاَتِهِ الرَّهْطُ ، فَقَالَ عُمَرُ: "إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاَءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ ، لَكَانَ أَمْثَلَ ثُمَّ عَزَمَ ، فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ قَارِئِهِمْ ، قَالَ عُمَرُ: "نِعْمَ البِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ "


"نعمت البدعة هذه" لم يقصد به البدعة بمعناها الشرعي الذي هو إحداث شيء في الدين وإنما قصد البدعة بمعنى من معانيها اللغوية وهو الأمر الحديث الجديد الذي لم تجر به عادة الناس وعملهم وذلك أن جمع الناس في رمضان كل ليلة على إمام واحد باستمرار وانتظام : لم يكن من قبل فصلاة التراويح من الدين المشروع المندوب إليها ، وهكذا صلاتها جماعة : من الأمر المرغب فيه المندوب إليه ، وثبت أصله من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله. 


وبالنسبة لحجتهم بابن تيمية -رحمه الله- فيردها تعليق ابن تيمية نفسه على حديث عمر رضي الله عنه حيث قال:


" هذه تسمية لغوية ، لا تسمية شرعية ، وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداء من غير مثال سابق .


وأما البدعة الشرعية: فما لم يدل عليه دليل شرعي ، فإذا كان نص رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دل على استحباب فعل أو إيجابه بعد موته ، أو دل عليه مطلقا، ولم يعمل به إلا بعد موته، ككتاب الصدقة ، الذي أخرجه أبو بكر-رضي الله عنه- فإذا عمل ذلك العمل بعد موته ، صح أن يسمى بدعة في اللغة؛ لأنه عمل مبتدأ .


كما أن نفس الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم يسمى بدعة ، ويسمى محدثا في اللغة، كما قالت رسل قريش للنجاشي عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين إلى الحبشة: " إن هؤلاء خرجوا من دين آبائهم، ولم يدخلوا في دين الملك، وجاءوا بدين محدث لا يعرف " .


ثم ذلك العمل الذي يدل عليه الكتاب والسنة : ليس بدعة في الشريعة، وإن سمي بدعة في اللغة، فلفظ البدعة في اللغة ، أعم من لفظ البدعة في الشريعة .


وقد علم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة) لم يرد به كل عمل مبتدأ، فإن دين الإسلام ، بل كل دين جاءت به الرسل ، فهو عمل مبتدأ، وإنما أراد: ما ابتُدئ من الأعمال التي لم يشرعها هو صلى الله عليه وسلم.


وإذا كان كذلك: فالنبي صلى الله عليه وسلم قد كانوا يصلون قيام رمضان على عهده جماعة وفرادى؛ وقد قال لهم في الليلة الثالثة، أو الرابعة لما اجتمعوا: ( إنه لم يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهة أن تفرض عليكم ، فصلوا في بيوتكم ؛ فإن أفضل صلاة المرء في بيته ، إلا المكتوبة) .


فعلّل صلى الله عليه وسلم عدم الخروج بخشية الافتراض ، فعلم بذلك أن المقتضي للخروج قائم ، وأنه لولا خوف الافتراض لخرج إليهم .


فلما كان في عهد عمر رضي الله عنه جمعهم على قارئ واحد ، وأسرج المسجد، فصارت هذه الهيئة ، وهي اجتماعهم في المسجد على إمام واحد ، مع الإسراج : عملا لم يكونوا يعملونه من قبل؛ فسمي بدعة؛ لأنه في اللغة يسمى بذلك ، ولم يكن بدعة شرعية ؛ لأن السنة اقتضت أنه عمل صالح ، لولا خوف الافتراض، وخوف الافتراض قد زال بموته صلى الله عليه وسلم ، فانتفى المعارض " .


[ اقتضاء الصراط المستقيم" (2/ 95-97) ]


فلا يُعقل من شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أن يناقض نفسه بنفسه فيصحح قول الشافعي [[ إن كان القصد منه ما فهمه الأشاعرة ]] ثم يعلق على قول عمر رضي الله عنه بما يخالف قول الشافعي فلا يحتج بهذا إلا جاهل أو مناقض لنفسه !