القائمة الرئيسية

الصفحات

"كيف أتخلص من شتات وشوائب العلاقة المحرمة"



كثيرا ما تُراسلني فتيات خرجن من إطار العلاقة المحرمة، بعد أن عرفن حكمها وتحصيلاتها السلبية وغير ذلك.. 


فيكون من الشوائب بعد العلاقة، هي ما تتضرر به الفتاة وتدخل في أزمات نفسية، ومنهن من وصلت إلى الاكتئاب، والفتور والانتكاس..! 


ما نحن فيه من هذه الموبقات هو الغفلة حتى يقع على أم رأسه، وها أنتِ قد تهاونتِ مع هذا الشاب فتجرأتِ على الحديث معه ، ثم رضيتِ أن تستقبليه وتقابليه ، ثم رضيتِ الخلوة معه ، ثم زيَّن لكِ الشيطان أنه بمثابة أخيك ، ثم ماذا ؟ ثم وقع الزنى في المجلس نفسه وممن أوهمك الشيطان أنه مثل أخيك !


 فأين هي الخطوة الأولى للشيطان ؟ إنها الحديث مع هذا الرجل الأجنبي..! ثم تتابعت خطوات الشيطان حتى أوقعك فيما وقعت فيه من أقبح المعاصي ، ومن هنا نعلم الحكمة في قوله تعالى : ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا )، فهو تعالى لم ينه عن الزنا فحسب بل خلق نظاما مجتمعيا وأخلاقيا كاملا يمنع من الوصول فنهى عن قربانه ، والمقصود به النهي عن تعاطي أسبابه المؤدية إليه والتهاون فأوجب غض البصر وعدم الاختلاط والستر إلى غير ذلك..! 


أولا اعلمي بارك الله فيكِ أنكِ تركت شيئا لله ومن ترك شيئا عوضه الله خيرا منه كما ورد في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه )


وهذا التبديل والتعويض قد يكون بشيء من جنس الشيء المتروك ، وقد يكون من غير جنسه كما قال ابن القيم رحمه الله :

" وقولهم من ترك لله شيئا عوضه الله خيرا منه : حق ، والعوض أنواع مختلفة ؛ وأجلّ ما يعوض به : الأنس بالله ومحبته ، وطمأنينة القلب به ، وقوته ونشاطه وفرحه ورضاه عن ربه تعالى ".


ومن أمثلة العوض في الدنيا ، ما ذكره ابن القيم في كتابه القيم " روضة المحبين "

" لما عقر سليمان بن داود عليهم السلام الخيل التي شغلته عن صلاة العصر ، حتى غابت الشمس : سخر الله له الريح يسير على متنها حيث أراد .


ولما ترك المهاجرون ديارهم لله ، وأوطانهم التي هي أحب شيء إليهم : أعاضهم الله أن فتح عليهم الدنيا ، وملكهم شرق الأرض وغربها " .


ولا يعني هذا أن نترك الحرام طمعا بالعوض فقط! بل ما دام العبد قد ترك شيئا مما نهاه الله عنه لا يتركه إلا لوجه الله عز وجل فالعوض له محقق ، وهذا وعد من الله ، ولن يخلف الله وعده..!


واحمدي الله عز وجل على هذه الصحوة فغيرك لازال غريقا في وحل الملذات والشهوات ولا يشعر بما حوله!، احمدي الله أنكِ غفلت ووقعت وعدت إلى رشدك!، احمدي الله أنكِ اتعظت ولم تكوني عظة وعبرة لغيرك فيكون الوقع قد وقع!


ويجب أن تعلمي بعد ترك هذه العلاقة ستُبتلين..!

ستبتلين حتّى يعلم الله صدق فعلك، ستبتلين فتري كلَّ شيء يدعوك للحدِيث مع هذا الشخص.

ستبتلين حتّى تظني أنك ستموتين من الحزن والشوق إليه!

‏وما بعد هذا الابتلاء ؟

‏كيف أفعل، ما الحل إذن ؟

‏أريد ترك العلاقة المحرمة لكن سرعان ما أعود إلىٰ ما كنت عليه!


"إذا أقبل العبد على طاعة بعث الله له صوارف ليتبيّن صدقه، فإذا جاهد وصبر وثبت عادت هذه الصّوارف في حقّه معاونات على الطّاعة "


‏فإن صبرت، وجاهدت نفسك على أن تصبر؛ فلحت ونلت ما تريد، ‏فالجهاد تعب ساعة، لراحة حياتُك كاملةً "فَأَما من تَركهَا صَادِقا مخلصا من قلبه لله فانه لَا يجد فِي تَركهَا مشقة إِلَّا فِي أول وهلة ‏ليمتحن أصادق هُوَ فِي تَركهَا أم كَاذِب ‏فإن صَبر على تِلْكَ الْمَشَقَّة قَلِيلا استحالت لَذَّة!"


لذا يجب عليك بتر الأمر وخلعه من جذوره ولهذا سيكون محتم عليك صد كل الأبواب من حظر وغلق حسابات وأرقام، حتى تتمكني من السيطرة على نفسك الأمارة بالسوء وعندما تصبحين قوية وقادرة على كبح نفسك، لك أن تعودي من جديد ففي هذه الفترة ستتحكمين في أفعالك..! 


تمر لحظات ضعف وشتات واسترجاع للذكريات فما الحل؟ 


الحل أن تعلمي بأنك تركتِ لله ولن يتركك الله وحدك! الاستغفار سيد الحلول، والدعاء يزهر القلوب والعقول ادعي الله عز وجل بالثبات، حافظي على علاقتك بالله واستشعري وجوده في كل لحظة وخطوة إن تذكرتِ الحرام تذكري ربك ووعدك ونيتك في السير إلى سبيل الصلاح، وإن اشتقتِ اجعلي اشتياقك لقرآنك، فكلما اقتربت منه سبحانه باعد بينك وبين هذه المحرمات بعد الأرض عن السماء! 


فلا تسترسلي خلف هوى النفس ووهم الشيطان! أنتِ تشتاقين لأن الاشتياق فيك لكن الاشتياق شعور وأنت صاحبته فمن أولى به التحكم بالآخر أنت أم شعورك؟ 


يجب أن أن تشغلي وقتك بكل ما هو مفيد لك في حياتك فإن كان العمل مجهدة فالفراغ مفسدة، وتذكري قول الإمام الحسن البصري رحمه الله:


" يا ابن آدم ما أنت إلا أيام فإن ذهب يومك ذهب بعضك"


ولك أن تتخيلي كم من الوقت ذهب عليك وأنت تعيشين بين جدران هذه العلاقة فكري ماذا قدمتِ لنفسك؟


 واعلمي أن الله يحاسب العبد على عمره فيما أفناه!


عليك بتحديد الغاية والهدف من الدخول في مواقع التواصل الاجتماعي والامتناع عن المواقع التي لا فائدة منها.


استبدال نمط الحياة والروتين اليومي بنمط جديد للحياة وجعل الأنشطة المفيدة والنافعة تحل محل الأوقات المهدرة بالساعات أمام الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي..


وأهم نقطة لا يجب التعامل مع هذه المسألة في كفة المظلمة!

الشرع لم يظلمكِ بتحريم العلاقات بل حافظ عليكِ وحافظ على عزك وشرفك! 

الشرع أعطاك الداء والدواء فإن شئت حافظت وسرت تحت الظل وإن شئت تجاوزت ورأيت المحصود من الشتات والانتكاس! 


يقول ابن الجوزي : 


"وإنما يدخل إبليس على الناس بقدر ما يمكنه، ويزيد تمكنه منهم، ويقل على مقدار يقظتهم وغفلتهم، وجهلهم وعلمهم.


واعلم أن القلب كالحصن، وعلى ذلك الحصن سور، وللسور أبواب، وفيه ثَلم .


وساكنه العقل، والملائكة تتردد إلى ذلك الحصن .


وإلى جانبه رَبَضٌ، فيه الهوى والشياطين، تختلف إلى ذلك الربض من غير مانع .


والحرب قائم بين أهل الحصن ، وأهل الربض .


والشياطين لا تزال تدور حول الحصن ، تطلب غفلة الحارس والعبور من بعض الثُلَم.


فينبغي للحارس أن يعرف جميع أبواب الحصن الذي قد وكل بحفظه، وجميع الثلم، وأن لا يفتر عن الحراسة لحظة، فإن العدو ما يفتر.


قال رجل للحسن البصري: أينام إبليس؟


قال: لو نام؛ لوجدنا راحة.


وهذا الحصن مستنير بالذكر، مشرق بالإيمان، وفيه مرآة صقيلة يتراءى فيها صور كل ما يمر به .


فأول ما يفعل الشيطان في الربض : إكثار الدخان، فتسود حيطان الحصن، وتصدأ المرآة .


وكمال الفكر : يرد الدخان .


وصقل الذكر : يجلو المرآة .


وللعدو حملات، فتارة يحمل فيدخل الحصن ، فيكر عليه الحارس ، فيخرج .


وربما دخل ، فعاث .


وربما أقام ، لغفلة الحارس .


وربما ركدت الريح الطاردة للدخان ، فتسود حيطان الحصن وتصدأ المرآة، فيمر الشيطان ولا يُدْرى به .


وربما جرح الحارس لغفلته، وأسر ، واستخدم ، وأقام يستنبط الحيل في موافقة الهوى ، ومساعدته، وربما صار كالفقيه في الشر"


[ تلبيس إبليس صـ 36 ] 


فحافظي على حصنك واحرسيه..!


خلاصة الأمر : 


التفتي لنفسك وابنيها على النهج المستقيم بين جدران الطاعة والعظة والتعبد والعبادة، لا تضيعي نفسكِ لأجل علاقات عابرة ومحادثات واتصالات عابثة ليس لها أثر سوى الألم والانتكاس والبعد عن الله.


اعلمي أن عند ملاقاة ربك لن يُقال فلان ضيعني بل أنت من ضيعت نفسك! ويُقال { ليتني لم أتخذ فلانا خليلا } 


تهدرين الأوقات والساعات والطاعات في ماذا؟ 

في اللاشيء!


الشتات وكثرة التفكير والاشتياق كلها مشاعر نحن من نعطيها الحجم المناسب، نحن من نكبرها أو نصغرها في أنفسنا، فإن شئنا نسينا أو تناسينا للتمرير على الأقل، لا شيء يستحق حزني وعبرات الألم سوى بعدي عن الله فقط!


من الآن خذي القرار النهائي بقطع التفكير والنسيان فورا! 


ابدئي في المحافظة على الصلاة في أوقاتها، كذلك المحافظة على أذكار ما بعد الصلاة والأذكار جلها، عليك بالبحث عن صحبة صالحة، ادخلي المنتديات الإسلامية التي توجد فيها أنشطة دينية، وهناك أمر آخر، وهو أهم من ذلك كله، وهو الدعاء والإلحاح على الله تبارك وتعالى أن يصرف الله عنك هذه المعاصي وكيد الشيطان، وأن يجعلك من الصالحات القانتات..


ابدئي بحفظ القرآن الكريم واحفظي الله يحفظك، واستعيني به ليعينك، واستغفريه ليغفر لك..


حاولي أن كل شيء تعلمته في الدين أن تعلميه لغيرك، ولو أن تبدئي بكتيب صغير تقرئيه عن الإسلام، حتى تستطيعي ممارسة دور الدعوة..


علمي الناس ما تعلمته ولا تتركي فراغا في حياتك فإن الفراغ من كيد الشيطان فمتى ما رآك فارغة شغلك بالحرام!