القائمة الرئيسية

الصفحات

كيف أربي ابني بعيدا عن الهشاشة النفسية؟

 


"الهشاشة النفسية" هي نقطة ضياع التوازن بين الإفراط والتفريط! 

نعيش حالات التصعيد والتضخيم في هذا الزمن في الكثير من الأبواب! 


التعايش مع الأحداث اليومية، الشعور والمشاعر، مواجهة الابتلاء.. 


يقول فوريدي: "الحزن ليس موشرًا للمرض النفسي، إنه جزء متكامل من الوجود الإنساني. 

وعندما يتم التحويل الحزن الطبيعي إلى مرض نفسي، فإن المراهقين والشباب الصغير لن يتمكنوا من تطوير وسائلهم الخاصة للتغلب على التجارب المؤلمة".


هذا التصعيد والتضخيم والتجارب يأتي من أمرين: 


1- الدلال في الصغر مما ربى في نفس الطفل الاستحقاقية الفردانية أن الاهتمام واجب على من حوله.. 


2- أو ضمور الاهتمام في صغره من طرف والديه مما جعله يفتقد هذا الشعور في مراحل كبره فيبحث عن الاهتمام وما إن ينشئ علاقة معينة حتى يجعل أساسها الأول الاهتمام ومن باب الواجب على الطرف الآخر..


التربية ليست مادة تُعطى من باب المال، أو تأمين المستقبل (المادي)، العطاء هو عطاء الشعور قبل المادة! 


الطفل الرضيع لا يسعد بالمال بقدر سعادته أن يكون بجوار والدته! 


ومن أكبر مسببات الهشاشة النفسية في هذا الجيل هو تغير نمط التربية!


ما سبب تحصيل الهشاشة خلف الجيل المعاصر؟ 


نعود دائما إلى مصطلح "التضخيم" ونزيد عليه شعور الأفراد في هذا العصر بالتفرد والاستحقاقية، جيل هش يرى التصعيد هو أساس المشكلات، والانكسار أمام العقبات أنسب حل للمواجهة! 

يختار من الأدوار دور الضحية المطلق، فلا يتقبل أي ضغط ولا يتحمل أي نكبة! 

"تعظيم أي حدث في حياتنا مهما كان ضئيلاً ومع الميل لتضخيم كل الأمور، بل وباعتبار التضخيم هو الشيء الصحيح والمثالي أصبحنا نميل لتضخيم مشاكلنا وكأنها مشكلة المشاكل نتحدث عنها طوال الوقت وكأنها المشكلة الوحيدة في هذه الحياة أن أي مشكلة تواجهنا تستحق التفهم والنظر والعلاج لكننا مع الأسف أصبحنا جيل لا نقوى على حمل أعباء حياتنا الخاصة ومشاكلنا الصغيرة!" 

جيل اليوم يضخمون أي مشكلة في حياتهم إلى درجة تصوير هذه المشكلة وكأنها كارثة ومع شعورهم بأن هذه المشكلة أكبر من قدرتهم على التحمل يقعون في العجز والانهيار، بالإضافة إلى هذا النمط التربوي الفاسد هو تربية الأطفال على أن التشجيع والوصف الجميل مرتبط فقط بالنجاحات الكبيرة، هذا من أكبر أسباب تعزيز النزعة الفردانية والاستعلائية في نفسية الطفل! 

إذا أردنا اختصار الأسباب فسيكون جمعها في ثلاث نقاط: 

1- ضعف الوازع الإيماني والديني عند الأفراد: وهذا يعود لابتعاد المسلم عن كتاب ربه وسنة نبيه، لا يُحرك هذا الوازع في النفوس إلا بذكر كلام ربها!، فلن نجد أحسن الخطاب، ولا وأكمل التوجيه، ولا أحسن الوعظ إلا بكلام الله، فهذا أصل منهاج المسلم، منهاج النبوة!، فتمام كلمة ربك صدقا وعدلا هو من يقيم المسلم على الصراط المستقيم! 

"الوازع الديني" صانع القناعة الذاتية، مما ينشئ النفور في نفس الإنسان فتحول هذه النفرة بين العبد وما ينهاه عنه ربه عز وجل! 

وهذا ما يحتاج إلى أن يُربى عليه الطفل!


2- الميول إلى الفردانية: وهذا يعود إلى الأصل الأول، حين يتخلى الأب عن أبوته ومسؤولياته، وتتخلى الأم عن أمومتها ومسؤولياتها تفكك المناصب ولا يشغرها إلا الفراغ وأصدقاء السوء ووساوس الشيطان! 

إن تركت المحل شاغرا لن تأتي أم بعدك ولا أب غيرك، لن يكون الحصاد إلا شوكا يهيم بابنك يمينا وشمالا ويغرس أطرافه في من حوله! 

فنختصر ونقول أن الميول للفردانية يعود بالدرجة الأولى إلى ضعف الترابط الأسري وانفكاك المجتمع..

3- نشر الثقافة الأمريكية والفكر الغربي: الإشكال الأكبر من اتخاذ "أمريكا" كقدوة في التسيير الأسري والفكري هو جهل المخدوع بها خلف تلميع صورة هذه الأخيرة مع العلم بأن أمريكا هي آخر ما يتم الاقتداء به في المجال الأسري خاصة وحسب الإحصائيات تمثل أسوأ دولة من ناحية الاستقرار الأسري! 

كيف أربي ابني بعيدا عن الهشاشة النفسية؟


من الأقوال التي لازلت أتذكرها وأراها من أهم القواعد التأسيسية التربوية، إن ضبطت هذه القاعدة ضبط المنهج وحددت بوصلة الغاية والمقصد! 

"الولد الصالح في الدنيا لك ينفع، وفي قبرك لك يرفع، وفي الآخرة لك يشفع" 

تربية الطفل تبدأ من تعريفك لنفسه، ابنك يعرف نفسه من وصفك له، والتربية السليمة ملازمة لفقه الواقع! 

طفلك مشروعك ومشروع الأمة، إن أحسنتِ إليه صلُح وأصلح أمته، العمل على ترسيخ المفاهيم الأساسية في ذهن الأبناء، وأهم مفهوم أولي هو العقيدة الصحيحة، وأهم الصفات التي تُرسخ في نفوسهم الأخلاق والصدق والأمانة والشجاعة.. 


طفلك يحتاج إلى نقد وإصلاح وتعزيز، التربية هي عملية تكاملية من جميع الجوانب "ما تجرحه أنت تداويه"! 

تذكر أن طفلك بعد التوبيخ لا يملك حصانة الترميم! 

أنت المسؤول عن ترميمه! 

من الأخطاء التي يتم فعلها في التربية، عندما يكون في فترة الصغر يكون الاهتمام أكبر وما إن يكبر يقل الاهتمام فجأة مما يعطي "الأعراض الانسحابية" لهذا الطفل في مرحلة مراهقته! 

الاهتمام هو عملية تدوم منك كأم وكأب طول فترة تواجدكما مع هذا الطفل، من أعطى اهتماما حصده في كبره، لن تجد من زرع شوكا وحصد أزهارا! 

نحن نعيش الواقع والمنطق والموجود، أعط لطفلك ذاك التقبل الذي يعيش به دما وأبدا، لا تعطه شعورا مؤقتا ينتظر نفاذه في أي لحظة! 

الاهتمام عملية دورية، التربية دعب وشقاء سنوات ليس اليوم وغدا وينتهي الأمر! 

كن قدوة لابنك! 

طفلك يشاهدك طول اليوم، ما كان في كبره هو ما رآه فيك في صغره! 

وفي الختام ما عسانا نقول سوى أن المنهج التربوي في البيوت يحتاج إلى إصلاح، وإصلاحه قائم متى ما كان الأصل فيه الكتاب والسنة.. 

"أنت كمسلم .. مطالب بصناعة وعيك وتطوير مهاراتك وتحصيل أسباب قوتك، وتسخير كل ذلك في نصرة دينك.

وهو مفهوم الإعداد، مفهوم عظيم جدا ومتسع المعاني .. 

ولا يعقل أن يعيش المسلم بدون إعداد .. إعداد لقلبه للثبات .. وكل ما يملك في سبيل الله.

وبداية فقه الإعداد تبدأ من الزهد فهو موجب لقوة القلب وهو العامل الأهم في كل ملحمة يخوضها المسلم .. سواء أكانت جهادا للنفس أو جهادا للأعداء.

هذه مفاهيم تغرس منذ سن صغيرة .. يتعود الطفل على إعداد مهامه وإعداد نفسه لها. 

نحن بحاجة ماسة لثورة كاملة على طرق التربية لنخرج جيلا مزدانا بكل ما يدخل في فلك الفروسية مسلما مؤمنا محسنا، عاملا في سبيل ربه.

لله در أصحاب العزائم!"

[ د. ليلى حمدان ]