القائمة الرئيسية

الصفحات

زكاة الفطر.. بين نص الشرع والخلاف

" زكاة الفطر.. بين نص الشرع والخلاف "

"الزكاة" من العبادات التوقيفية فلا يشرع منها إلا ما جاء به الشرع..!، كالصلوات الخمس والصوم والحج وغير ذلك مما شرع الله ومما ثبت عن رسول الله ﷺ الدلالة على شرعيته من قول أو عمل. 

فالله سبحانه وتعالى كلّف عباده بعبادات وأمرهم أن لا يتجاوزوها وأن لا يزيدوا عليها فأحكام العبادات توقيفية، بخلاف باب المعاملات، ومن بين هذه العبادات التوقيفية "الزكاة"..! 

 فقد بيّنت الشريعة أحكامها وكل ما يتعلق بها، في القرآن الكريم كقوله تعالى:" وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين" (1)

وفي السنة النبوية فروى مسلم عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فِيمَا سَقَتِ الْأَنْهَارُ، وَالْغَيْمُ الْعُشُورُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ» (2

وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: 

إن تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان: 

1- عبادات يصلح بها دينهم 

2- وعادات يحتاجون إليها في دنياهم

 فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن : 

أ- العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع 

ب- وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه والأصل فيه عدم الحظر فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى وذلك لأن الأمر والنهي هما شرع الله والعبادة لا بد أن تكون مأموراً بها فما لم يثبت أنه مأمور به كيف يحكم عليه بأنه محظور؟ ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون: إن الأصل في العبادات التوقيف فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله وإلا دخلنا في معنى قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [سورة الشورى، الآية 21] (3)

" أصل إخراج زكاة الفطر طعاما "

عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال ابن عمر رضي الله عنهما: "فَرَضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير: على العبد والحرّ، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تُؤدّى قبل خروج الناس إلى الصلاة" (4) 

 وفي رواية لمسلم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَرَ بِزَكاة الفطر صاع من تمر أو صاع من شعير (5) 

 وحديث أبي سعيد رضي الله عنه، قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: "كُـنّا نُخْرِج زكاة الفطر صاعا من طعام، أو صاعا من شعير، أو صاعا من تمر، أو صاعا من أقط، أو صاعا من زبيب" (6) 

وفي رواية للبخاري: قال: "كُنا نُخْرِج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعا من طعام" (7) 

فهذه الأحاديث ذكرت فيها الأصناف التي يخرج منها زكاة الفطر، وكانوا في وقت التشريع حيث كان المسلمون يتعاملون بالعملة السائدة آنذاك وهي الدرهم والدينار، ولم يذكرهما النبي صلى الله عليه وسلم في زكاة الفطر، ولو كانا يجزئان لأبان النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولو فعل ذلك لنقله عنه أصحابه الكرام رضي الله عنهم، الذين هم أيضاً لم ينقل عن أحدهم أنه أخرج زكاة الفطر نقوداً، وهم أحرص الناس على اتباع سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام..! 

ولم يثبت لا في حديث صحيح ولا ضعيف أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر مالاً، وإنما الثابت الصحيح إخراجها من الطعام..!

ومن الأدلة على أنه لا يصح اخراجها بالقيمة، ما رواه أبو داود وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات"

" رد شبهات القوم ممن يجيزون الزكاة نقودا "

1- سيقول لك عامي الفقير يحتاج مالا لتسديد الفواتير وغير ذلك وهذا معارض لوجه الدلالة من الحديث أن من حكم زكاة الفطر كونها [[ طعمة للمساكين ]] فكيف تكون طعمة للمساكين إن أخرجناها مالاً، أو سددنا بها فواتير الكهرباء كما تقول؟!

2- يُقال أن الفقير بحاجة إلى المال وليس الطعام من الشعير والتمر وغيره، على المُسلم أن يتقين ويسلم بأن زكاة الفطر عبادة مفروضة من جنس معين وفي وقت معين..! فلا يجزئ إخراجها من غير الجنس المعين، كما لا يجزئ إخراجها في غير الوقت المعين.

والأمر عائد إلى التسليم بالنص وليس الخوض في تراهات العقول فإن سلمنا جدلا باتباع العقل لقلت هذا الفقير كل الناس يعطونه الزكاة في رمضان فسيتكدس لديه الطعام في هذا الشهر، لذا فإني سأعطيه الزكاة في ذي القعدة..! وكل هذا بسبب اتباع العقول القاصرة وترك العبادات التوقيفية. 

ومن هنا عليك أن تعلم بأن الاستحسان والتقديم والتأخير لا يجوز في العبادات التوقيفية فإن غيرت الجنس المعين فغير الوقت المعين فلمَ تفعل مع الأول وتأبى عليه في الثاني! 

فخلاصة القول في هذا الباب : 

زكاة الفطر عبادةٌ توقيفيةٌ نصَّ الشارعُ على إخراجها بالعين لا بالقيمة، ولم يُنْقَلْ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولا صحابتِه الكرام رضي الله عنهم أنهم أخرجوا القيمةَ مع توافُرِها في زمانهم، بل تعبَّدَهم الشرعُ بإخراجها بالصاع مِنْ قُوتِ البلد، كما جاء في حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما وكذا في حديثِ أبي سعيدٍ رضي الله عنه وغيرِهما ففي هذه الأحاديثِ التصريحُ بإخراجها بالصاع عينًا لا قيمةً، ولأنَّ مُخْرِجَ القيمةِ قد عَدَل عن المنصوص شرعًا فلا يُجْزِئه، كما لو أخرج الرديءَ مكانَ الجيِّد ولأنَّ القول بأنَّ «إخراج الزكاة عينا مِنْ قُوتِ البلد لا ينتفع به الفقيرُ» فمردودٌ لأنَّ الفقير حقًّا لا بُدَّ أَنْ ينتفع بالقُوت، وهو وصفُ شرفٍ به قِوامُ بدنِه..!

" قول الأئمة في إخراج زكاة الفطر طعاما " 

أ- قال الإمام مالك رحمه الله: (لَا يُجْزِئُ الرَّجُلَ أَنْ يُعْطِيَ مَكَانَ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَرْضًا مِنَ الْعُرُوضِ.

وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَمْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.) (8) 

ب- وقال الإمام أحمد بن حنبل عن إخراج زكاة الفطر نقدا: (خِلَافُ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(9) 

وقال الإمام أحمد أيضا: (يَدَعُونَ قَوْلَ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ويقولونَ: قال فلان.) (10) 

قال الإمام سحنون بن سعيد التنوخي في المدونة ( 1/392) : قال مالك ولا يجزئ الرجل أن يعطي مكان الزكاة عرضا من العروض ، قال وليس كذلك أمر النبي عليه الصلاة والسلام.

قال القاضي عياض: "ولم يجز عامة العلماء إخراج القيمة في ذلك". (11) 

قال محمد بن يوسف العبدري: "وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ : لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَدْفَعَ فِي الْفِطْرَةِ ثَمَنًا" (12) 

قال الامام الشافعي -:(لاتجزئ القيمة[اي:في زكاة الفطر] (13) 

قال الإمام أحمد: "لا يعطى قيمته قيل له:يقولون:عمر ابن عبد العزيز كان ياخذ القيمة قال:يدعون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون قال فلان ؟ قال ابن عمر رضي الله عنه( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ..)وقال الله:( اطيعوا الله واطيعوا الرسول) وقال قوم يردون السنن: قال فلان وقال فلان!!)"

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وصدقة الفطر وجبت طعاما للأكل لا للإستنماء ، فعلم انها من جنس الكفارات" (15) 

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : "وصدقـة الفطر من جنس الكفارات ، هذه معلقة بالبدن ، وهذه معلقة بالبدن ، بخلاف صدقـة المال فانها تجب بسبب المال من جنس ما أعطاء الله".(16)

قالوا أن جملة من الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين قالوا بجواز إخراجها نقدا: 

أ- حديث معاذ بن جبل حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ليأخذ منهم زكاة الحبوب والثمار (الزروع) فقال لهم: ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة. وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك. 

فقالوا إن جاز تغير النوع في زكاة المال (الأعلى) جاز للأدنى وهي زكاة الفطر ولا نعلم بالأصل ما العلاقة! فلا يوجد لفظ صريح على إجاز زكاة الفطر نقدا في الحديث!! 

ب- عمر بن عبد العزيز والحسن البصري أخرجاها "قيمة" وهذا قول باطل فالأصح انهما أجازا أخذ القيمة لمن ليس له طعام ويشتري بها طعاما للفقير لا أن يأخذها الفقير قيمة مباشرة! ومنذ متى خالف التابعين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ومنذ متى أصبح الخلاف فيترك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتبع قول التابعي والله المستعان! 

جـ - قالوا البخاري أجاز زكاة الفطر نقدا ولم يرد هذه عنه رحمه الله! ما ذكره البخاري في (صحيحه) كان في باب: (العرض في الزكاة ج٢ ص١٢٢) عن طاوس موقوفا: قال معاذ - رضي الله عنه - لأهل اليمن: ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب رسول الله ﷺ بالمدينة، وقال النبي ﷺ للنساء: «تصدقن ولو من حليكن »، فلم يستثن صدقة الفرض من غيرها، فجعلت المرأة تلقي خصرها وصخابها ولم يخص الذهب والفضة من العروض. 

د- قالوا ابن تيمية -رحمه الله- أجازها نقدا، شيخ الإسلام قد طُرح عليه سؤال وكان السؤال عن زكاة التجارة، هل يجوز إخرجها بالقيمة أم يجب إخراجها من عينها؟

فقاموا بحذف السؤال الذي فيه ذكر التجارة، وأتوا فقط بالجواب، لإيهام الناس بأن الجواب كان عن زكاة الفطر..! 

جاء في مجموع الفتاوى: (سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ تَاجِرٍ: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ زَكَاتِهِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ صِنْفًا يَحْتَاجُ إلَيْهِ؟) فأجاب شيخُ الإسلام ابن تيمية: (إِذَا أَعْطَاهُ دَرَاهِمَ أَجْزَأَ بِلَا رَيْبٍ. وَأَمَّا إِذَا أَعْطَاهُ الْقِيمَةَ فَفِيهِ نِزَاعٌ: هَلْ يَجُوزُ مُطْلَقًا؟ أَوْ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا؟ أَوْ يَجُوزُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لِلْحَاجَةِ أَوِ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ.)

ثم قال شيخ الإسلام ابن تيمية في تتمة جوابه: (وَالْأَصْنَافُ الَّتِي يُتَّجَرُ فِيهَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهَا جَمِيعًا دَرَاهِمَ بِالْقِيمَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ دَرَاهِمُ فَأَعْطَى ثَمَنَهَا بِالْقِيمَةِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ وَاسَى الْفُقَرَاءَ فَأَعْطَاهُمْ مِنْ جِنْسِ مَالِهِ.) (مجموع الفتاوى 80/25)

فكان السؤال عن تاجر يريد إخراج زكاة المال عما يُتاجِر به، فالسؤال كان عن زكاة التجارة، وهذا يكون في زكاة المال وليس في زكاة الفطر، والإجابة أيضا كانت عن ذلك وليس عن زكاة الفطر.

وأما قوله: (وَأَمَّا إِذَا أَعْطَاهُ الْقِيمَةَ فَفِيهِ نِزَاعٌ)، فقد قام بشرحه في تتمة كلامه وقال بأن معناه إذا قام مثلا تاجرُ ثيابٍ بشراء ثيابٍ من تاجرٍ غيره وأعطاها في زكاته للفقراء، وهذا فيه خلاف، والجمهور على عدم صحة ذلك.

فكان كلام شيخ الإسلام ابن تيمية عن ذلك كله هو: يجوز إخراج زكاة التجارة بقيمتها النقدية بلا ريب، لأن هذا محل اتفاق، وأما إخراجُها من عين ما يبيعه التاجر من بضائع فهذا لا يصح عند الجمهور مطلقا، خلافا للحنفية الذين أجازوه مطلقا، وخلافا أيضا لمن أجازه فقط في بعض الصور للحاجة أو المصلحة الراجحة.

وقد سُئِلَ شيخُ الإسلام ابن تيمية سؤالا آخر عن الزكاة : جاء في مجموع الفتاوى: (وَسُئِلَ -رَحِمَهُ اللهُ- : عَمَّنْ أَخْرَجَ الْقِيمَةَ فِي الزَّكَاةِ...) فأجاب: (وَأَمَّا إِخْرَاجُ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَالْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ، وَأَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ- قَدْ مَنَعَ الْقِيمَةَ فِي مَوَاضِعَ وَجَوَّزَهَا فِي مَوَاضِعَ، فَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ أَقَرَّ النَّصَّ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَالْأَظْهَرُ فِي هَذَا: أَنَّ إِخْرَاجَ الْقِيمَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ مَمْنُوعٌ مِنْهُ، وَلِهَذَا قَدَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُبْرَانَ بِشَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَلَمْ يَعْدِلْ إِلَى الْقِيمَةِ...) (مجموع الفتاوى 82/25)
وقال أيضا: (وَأَمَّا إِخْرَاجُ الْقِيمَةِ لِلْحَاجَةِ أَوِ الْمَصْلَحَةِ أَوِ الْعَدْلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ: مِثْلَ أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ بُسْتَانِهِ أَوْ زَرْعِهِ بِدَرَاهِمَ، فَهُنَا إِخْرَاجُ عُشْرِ الدَّرَاهِمِ يُجْزِئُهُ، وَلَا يُكَلَّفُ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَمَرًا أَوْ حِنْطَةً إِذْ كَانَ قَدْ سَاوَى الْفُقَرَاءَ بِنَفْسِهِ. وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ. وَمِثْلَ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ شَاةٌ فِي خَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَنْ يَبِيعُهُ شَاةً، فَإِخْرَاجُ الْقِيمَةِ هُنَا كَافٍ...) (مجموع الفتاوى 82/25-83)

" مسألة الحنفية في جواز إخراج الزكاة نقدا "

1- الصواب أن الزكاة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم تخرج "طعاما"، وهذا ما عليه المالكية والشافعية والحنابلة، أما الحنفية فيجوز عندهم إخراج الزكاة نقدا، فإن كنت مالكيا أو شافعيا أو حنبليا طول السنة وتأتي إلى الحنفية آخر المطاف وتأخذ قولهم بجواز إخراجها نقودا فلست بخادع أحدا إلا نفسك! 

ومن ليس على المذاهب ويأخذ برأي الجمهور والإجماع طول السنة وفي آخر المطاف يتلون ويأخذ بالأيسر فهذا لن يجعل أحدا في الخسران غيرك! 

2- زكاة الفطر عند أبي حنيفة لا تجب  ﺇﻻَّ ﻋَﻠَﻰ من يملك مائتي درهم؛ أي ( ٥٩٥ ) جرامًا من الفضة، ﺃَﻭْ ﻣَﺎ قيمته ﻧِﺼَﺎﺏٌ فاضل ﻋَﻦْ مسكنه، فمن لا يملك النصاب لا زكاة عليه، وأيضا في مذهب أبي حنيفة الزوج لا تجب عليه زكاة زوجته، فهي التي تُلزم بإخراج زكاة الفطر عن نفسها، إذا ملكت النصاب الذي اشترطه أبو حنيفة، فإن كانت لا تملك النصاب، تسقط عنها الزكاة.

فقال ابن قدامة في المغني بخصوص النصاب: (1976) ﻣَﺴْﺄَﻟَﺔٌ: ﻗَﺎﻝَ ﺇﺫَا ﻛَﺎﻥَ ﻋِﻨْﺪَﻩُ ﻓَﻀْﻞٌ ﻋَﻦْ ﻗُﻮﺕِ ﻳَﻮْﻣِﻪِ ﻭَﻟَﻴْﻠَﺘِﻪِ ﻭَﺟُﻤْﻠَﺔُ ﺫَﻟِﻚَ ﺃَﻥَّ ﺻَﺪَﻗَﺔَ اﻟْﻔِﻄْﺮِ ﻭَاﺟِﺒَﺔٌ ﻋَﻠَﻰ ﻣَﻦْ ﻗَﺪَﺭَ ﻋَﻠَﻴْﻬَﺎ، ﻭَﻻَ ﻳُﻌْﺘَﺒَﺮُ ﻓِﻲ ﻭُﺟُﻮﺑِﻬَﺎ ﻧِﺼَﺎﺏٌ. ﻭَﺑِﻬَﺬَا ﻗَﺎﻝَ ﺃَﺑُﻮ ﻫُﺮَﻳْﺮَﺓَ ﻭَﺃَﺑُﻮ اﻟْﻌَﺎﻟِﻴَﺔِ، ﻭَاﻟﺸَّﻌْﺒِﻲُّ، ﻭَﻋَﻄَﺎءٌ، ﻭَاﺑْﻦُ ﺳِﻴﺮِﻳﻦَ، ﻭَاﻟﺰُّﻫْﺮِﻱُّ، ﻭَﻣَﺎﻟِﻚٌ، ﻭَاﺑْﻦُ اﻟْﻤُﺒَﺎﺭَﻙِ، ﻭَاﻟﺸَّﺎﻓِﻌِﻲُّ، ﻭَﺃَﺑُﻮ ﺛَﻮْﺭٍ.

ﻭَﻗَﺎﻝَ ﺃَﺻْﺤَﺎﺏُ اﻟﺮَّﺃْﻱِ: ﻻَ ﺗَﺠِﺐُ ﺇﻻَّ ﻋَﻠَﻰ ﻣَﻦْ ﻳَﻤْﻠِﻚُ ﻣِﺎﺋَﺘَﻲْ ﺩِﺭْﻫَﻢٍ، ﺃَﻭْ ﻣَﺎ ﻗِﻴﻤَﺘُﻪُ ﻧِﺼَﺎﺏٌ ﻓَﺎﺿِﻞٌ ﻋَﻦْ ﻣَﺴْﻜَﻨِﻪِ؛ ﻟِﻘَﻮْﻝِ ﺭَﺳُﻮﻝِ اﻟﻠَّﻪِ - ﺻَﻠَّﻰ اﻟﻠَّﻪُ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﻭَﺳَﻠَّﻢَ -: «ﻻَ ﺻَﺪَﻗَﺔَ ﺇﻻَّ ﻋَﻦْ ﻇَﻬْﺮِ ﻏِﻨًﻰ» ﻭَاﻟْﻔَﻘِﻴﺮُ ﻻَ ﻏِﻨَﻰ ﻟَﻪُ ﻓَﻼَ ﺗَﺠِﺐُ ﻋَﻠَﻴْﻪِ، ﻭَﻷَِﻧَّﻪُ ﺗَﺤِﻞُّ ﻟَﻪُ اﻟﺼَّﺪَﻗَﺔُ، ﻓَﻼَ ﺗَﺠِﺐُ ﻋَﻠَﻴْﻪِ، ﻛَﻤَﻦْ ﻻَ ﻳَﻘْﺪِﺭُ ﻋَﻠَﻴْﻬَﺎ.

وقال أيضا في مسألة هل يلزم الزوج إخراج زكاة زوجته (1970) ﻣَﺴْﺄَﻟَﺔٌ: ﻗَﺎﻝَ: ﻭَﻳَﻠْﺰَﻣُﻪُ ﺃَﻥْ ﻳُﺨْﺮِﺝَ ﻋَﻦْ ﻧَﻔْﺴِﻪِ، ﻭَﻋَﻦْ ﻋِﻴَﺎﻟِﻪِ، ﺇﺫَا ﻛَﺎﻥَ ﻋِﻨْﺪَﻩُ ﻓَﻀْﻞٌ ﻋَﻦْ ﻗُﻮﺕِ ﻳَﻮْﻣِﻪِ ﻭَﻟَﻴْﻠَﺘِﻪِ. ﻋِﻴَﺎﻝُ اﻹِْﻧْﺴَﺎﻥِ: ﻣَﻦْ ﻳَﻌُﻮﻟُﻪُ. ﺃَﻱْ ﻳَﻤُﻮﻧُﻪُ ﻓَﺘَﻠْﺰَﻣُﻪُ ﻓِﻄْﺮَﺗُﻬُﻢْ، ﻛَﻤَﺎ ﺗَﻠْﺰَﻣُﻪُ ﻣُﺆْﻧَﺘُﻬُﻢْ، ﺇﺫَا ﻭَﺟَﺪَ ﻣَﺎ ﻳُﺆَﺩِّﻱ ﻋَﻨْﻬُﻢْ؛ ﻟِﺤَﺪِﻳﺚِ اﺑْﻦِ ﻋُﻤَﺮَ، «ﺃَﻥَّ ﺭَﺳُﻮﻝَ اﻟﻠَّﻪِ - ﺻَﻠَّﻰ اﻟﻠَّﻪُ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﻭَﺳَﻠَّﻢَ - ﻓَﺮَﺽَ ﺻَﺪَﻗَﺔَ اﻟْﻔِﻄْﺮِ، ﻋَﻦْ ﻛُﻞِّ ﺻَﻐِﻴﺮٍ ﻭَﻛَﺒِﻴﺮٍ، ﺣُﺮٍّ ﻭَﻋَﺒْﺪٍ، ﻣِﻤَّﻦْ ﺗَﻤُﻮﻧُﻮﻥَ.» ﻭَاَﻟَّﺬِﻱ ﻳَﻠْﺰَﻡُ اﻹِْﻧْﺴَﺎﻥَ ﻧَﻔَﻘَﺘُﻬُﻢْ ﻭَﻓِﻄْﺮَﺗُﻬُﻢْ ﺛَﻼَﺛَﺔُ ﺃَﺻْﻨَﺎﻑٍ: اﻟﺰَّﻭْﺟَﺎﺕُ، ﻭَاﻟْﻌَﺒِﻴﺪُ، ﻭَاﻷَْﻗَﺎﺭِﺏُ. ﻓَﺄَﻣَّﺎ اﻟﺰَّﻭْﺟَﺎﺕُ ﻓَﻌَﻠَﻴْﻪِ ﻓِﻄْﺮَﺗُﻬُﻦَّ. ﻭَﺑِﻬَﺬَا ﻗَﺎﻝَ ﻣَﺎﻟِﻚٌ ﻭَاﻟﺸَّﺎﻓِﻌِﻲُّ، ﻭَﺇِﺳْﺤَﺎﻕُ.

ﻭَﻗَﺎﻝَ ﺃَﺑُﻮ ﺣَﻨِﻴﻔَﺔَ، ﻭَاﻟﺜَّﻮْﺭِﻱُّ، ﻭَاﺑْﻦُ اﻟْﻤُﻨْﺬِﺭِ: ﻻَ ﺗَﺠِﺐُ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﻓِﻄْﺮَﺓُ اﻣْﺮَﺃَﺗِﻪِ. ﻭَﻋَﻠَﻰ اﻟْﻤَﺮْﺃَﺓِ ﻓِﻄْﺮَﺓُ ﻧَﻔْﺴِﻬَﺎ؛ ﻟِﻘَﻮْﻝِ اﻟﻨَّﺒِﻲِّ - ﺻَﻠَّﻰ اﻟﻠَّﻪُ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﻭَﺳَﻠَّﻢَ - «ﺻَﺪَﻗَﺔُ اﻟْﻔِﻄْﺮِ ﻋَﻠَﻰ ﻛُﻞِّ ﺫَﻛَﺮٍ ﻭَﺃُﻧْﺜَﻰ» . ﻭَﻷَِﻧَّﻬَﺎ ﺯَﻛَﺎﺓٌ ﻓَﻮَﺟَﺒَﺖْ ﻋَﻠَﻴْﻬَﺎ، ﻛَﺰَﻛَﺎﺓِ ﻣَﺎﻟِﻬَﺎ.

فبناء على مذهب أبي حنيفة ستسقط الزكاة عن غالب الناس، لأنهم لا يملكون النصاب، فهل سيرجعون لمذهب الجمهور لعدم اشتراط النصاب في زكاة الفطر؟

فخلاصة القول: 

1- لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في زكاة الفطر غير إخراجها طعاما 

2- لم يخالف أحد من الصحابة ولا التابعين فعل نبي الله عليه الصلاة والسلام في زكاة الفطر 

3- اتبعوا هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تتبعوا الاقتصاص والتدليس بداعي اليسر في الفتوى

والله المستعان.. 

ونسأل الله أن يرزقنا اتباع الحق، وتذكر فإن الحق أحق بأن يتبع.