القائمة الرئيسية

الصفحات

"عقول بين مطرقة المجتمع وسندان التعليم النظامي - الجزء الأول "



حين نتحدث عن "التعليم النظامي" يتبادر إلى الذهن أصل هذا النظام، الذي هو منسوخ من لوحة معرفية واحدة، ومن منهج نفسي واحد، فلا يضع اعتبارا للاختلاف النفسي ولا العقلي! 

نختصر الطريق لتقديم الكينونة لهذا المفهوم بأنه "استعراض لمقومات رئيسية مجملة ثابتة" لا تتغير باختلاف الأفراد والعقول! 


وفي هذا الكلام إشكال، إشكال النسخ والمنسوخ إليه فالتعليم الأكاديمي هو إسقاط على الفرد الواحد، مواد مادية ليس لها أدنى اهتمام بالموارد البشرية!، فلا تعطيك قدرك كذات لها صفات نفسية وعقلية مختلفة! 


فلا نبالغ إن قلنا أن هذه الكينونة الثابتة تعطينا أشخاصا متشابهين بلا ملامح مميزة بالاعتماد على أسلوب التلقين والحفظ غير المتباين وبالتالي تضيع قيمة الفردية مقابل التشابه ويعطينا مفهوم القطيع..!


"الإنتاج النظامي لا يعطي فردا خارج القطيع" 


نعود لأول السطر وتسطير تحت كلمة "النظام"، النظام هو مجموعة عناصر ووظائف تكاملية بين الفرد والآخر وتقوم على مؤثرات وتفاعلات بين المعطي والمُعطى إليه، لكن هل التعليم النظام يقوم بهذه الوظائف فعليا؟ 

هو ليس كذلك، فلا يعطي القيمة الفردية ويعتمد على نفس المنظومة والمادة للتدريس فأين التأثر والتفاعل!، حقيقة المنظومة التعليمية هي حلقة بين المادة والطالب بوسيط بينهما ناقل للمعلومة وهو "المعلم"، فيقطع على الطالب الأمل في التفكير والبحث والمناقشة، فأين فرصة الاجتهاد والعطاء المغاير في ظل قاعدة المنظومة أن "كل ما يقوله المعلم يقيني بالضرورة"، ولا تسمع من أي مصدر تعليمي مؤسسي عن أشخاص يحملون أفكار أخرى..! 


وهذا عين مفهوم القطيع تتبع ولا تخالف، وهذا ما يسمى بـ "العبودية الفكرية التامة"..! 


"مفهوم العبودية الفكرية" 


حين نتابع تاريخ الثورة الصناعية، سنجد تحريرا للعبيد في تلك الفترة في ظل وجود الآلة فحلت هذه الأخيرة مكان اليد العاملة فاستبدلت الإنسان بالماكينة، فماذا حدث!، أضحت تلك الجموع القاعدة عالة وعبئا على غيرها!


وفي مرحلة الرأسمالية عادت مرحلة العبودية وأضحت هذه الأخيرة تستعبد الأفراد، فتغير مصطلح "العبيد" في مرحلة الثورة الصناعية إلى عبيد من طبقة العمال والموظفين! 

فأصبحت تستهلك أعمارهم في العمل لسنوات طويلة من أجل إثراء فرد واحد أو عدة أفراد دون أدنى مشاركة فعلية ملموسة في الربحية، هذه الجموع المستبدلة والمستعبدة دون أن تدري يظل همها الأكبر هو تأمين المعاش اليومي والاحتياجات الأساسية لها ولأبنائها. 


وهذا ما يمهده لك "التعليم النظامي" طريق إلى الاستعباد الفردي..! فتخرج من عبودية الفكر إلى عبودية الأجر المالي! 


وقفت على قصص واقعية وأحداث كثيرة، كانت لأناس يترنحون بين ضرورة التعليم وآخر يقول بضرورة ترك الجامعة ودخول سوق العمل الحر! 


فكانت تسرد نجاحات عدة خارج إطار التعليم الجامعي، تحقيق الأهداف والطموحات ليس في "الحيز الدراسي" فقط، فترة الجامعة في هذا العصر ليست إلا تثبيطا أكاديميا خاصة في التخصصات غير المطلوبة فكثير من الأشخاص حققوا أهدافهم خارج الإطار الجامعي الروتيني واكتسبوا مراحل عدة..

كان المغزى من تلك القصص والشواهد والاقتباسات هو استحضار المعنى الحقيقي للنجاح في "الحيز العملي"، فيحضرني موجز بقصة شخص ما ترك دراسة الهندسة واختار الخروج من الجامعة، ودخل إلى عالم المعلوماتية والتصميم فأصبح لديه عمل حر في هذا المجال، يصمم للشركات إلى أن صارت له شركته الخاصة! 


بعد خمس سنوات من ترك الجامعة والتي كان من المفترض أنه تخرج منها بعد هذه المدة، قال حصلت على عمل خاص وبيت وأسرة! 


وهذه القصة لا تختلف عما قاله براندون داوسون.. مؤسس "Audigy" : لقد كنت طالبًا متوسطًا حصلت على متوسط درجات 2.4 في المدرسة، وبعد المدرسة الثانوية انتقلت إلى جورجيا من أجل وظيفة في المبيعات مع كثير من السفر، لقد تعلمت الاكتفاء الذاتي والتواصل مع الآخرين والبيع للمحترفين، اكتسبت مهارات الحياة وازدهرت ذاتيًا وكان لدي ما يكفي من الشجاعة لأن لا أنظر للخلف أبدًا.


هذه الثقة ساعدتني عندما تركت عملي المريح وقررت أن أبدأ عملي الخاص في الـ27 من العمر ولدي طفلان، في عمر الـ29 أصبحت الشركة عامة وبعد ذلك تمكنت من تأسيس أخرى وبيعها بمبلغ 151 مليون دولار، لم أكن بحاجة لدرجة جامعية تعلمني ما تعلمته بالممارسة، لقد تعلمت التفكير بشكل أوسع وتحديث نفسي لصنع تأثير مميز، إن الأفعال المتعمدة هي ما تخلق النتائج والالتزام بذلك يؤدي حتمًا إلى النجاح.

"إعادة هيكلة مفهوم النجاح.." 

في الآونة الأخيرة وفي عصر التطور الإلكتروني وعصر استعباد الأصنام وأولها "الشهادة الجامعية" تم ربط مفهوم النجاح واختزاله في "الجانب المعرفي"، فأُبيد الحيز العملي في ظل وجود الرأسمالية! 


فتُصبح عبدا بين تسلط التعليم النظامي وعبودية الرأسمالية!


عليك التمرد على هذا الاختزال والتبعية العمياء لكينونة النظام!، ليس لأحد الحق في أن يحدد لك ما الذي يجب أن تعرفه وكيف تعرفه، ولا أن يحرمك من حقك في استعمال وقتك وعقلك وكل ممتلكاتك الفكرية كما تشاء في الموضوع الذي تشاء لتتوصل للنتيجة التي تشاء..!، فبدلا من قضاء سنوات على كرسي يختزل لك سنينا تمر من عمرك كي تحصل على تلك الشهادة التي لم يعد لها معنى في هذا الزمن سوى أنك تبدو كالمثقف وفقا لمعايير المجتمع الجاهل! 


فخلاصة هذا التعليم النظامي هو الفشل في إتمام معظم أنواع التعليم، فلا هو يهتم بالمهارات الجانبية، ولا هو يوفر أشخاص مؤهلين لسوق العمل، ولا هو يوفر أدنى درجات الثقافة..! 


"التعليم الذاتي / المنزلي بديل التعليم النظامي.."


المشكلة تكمن في فهم "التعليم"، فالأغلبية العظمى من المجتمع ترى أن التعليم النظامي والحصول على الشهادة هو الوسيلة الوحيدة للحصول على تعليم وثقافة!


فإذا ذهب الطالب إلى أبيه وقال له أريد ترك الدراسة والتفرغ إلى التعليم من الانترنت والكتب فستكون النتيجة هي الحتمية هي "الرفض"قطعا، لأن الافتقار الحقيقي متصل بسيادة المفاهيم الراسخة في الأذهان حول الشهادة والتعليم النظامي! 

فأصبحت الشهادة مقترنة بالثقافة في هذا المجتمع تقيم أي شخص بشهادته لذلك نجد الكل يصارع في الحصول العلامات العالية فلا يهم إذا كنت مدركا لما تدرسه أو لا المهم هو النتيجة (احفظ وقارن فقط)، فيمكننا وصف التعليم بأنه لعبة لأصحاب الذاكرة القوية فقط وقليل من الفهم ولا يهم الفهم إذا استطعت المقارنة..! وهنا نحتاج إلى بتر هذه المفاهيم الضارة وإيضاح الموازين بين الفهم والحفظ..!