القائمة الرئيسية

الصفحات

وقفات مع حديث "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"

 


عن معاذ بن جبل أن رسول صلى عليه وسلم أخذ بيده، وقال: ((يا معاذ، والله إني لأحبك، والله إني لأحبك))، فقال: ((أُوصيك يا معاذ، لا تَدَعنَّ في دُبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك))


حديث عظيم مع وجازة كلماته وعِظم معانيه ووقفاته..! 


"والله إني أحبك" تأمل التيسير والأسلوب الجميل والحسن للانطلاق نحو تعليم كلمات نافعة للعبد، كلمات ترفع الهمة وتزيد من إحسان المرء لربه..! 


أسلوب قد جمع بين القول والفعل، فتأمل يا رعاك الله الجمع بين المحبة والتعليم..! 


مهما كانت علاقتك بالله وعبادتك إياه لا تترك الاستمرارية في التواصل على الطاعة والاجتهاد على عدم الانقطاع، فهاهو معاذ بن جبل رضي الله عنه لا يخفى على أحد فضائله وأفضاله ولم يترك العلم والعمل، فالمرء لا ينتهي عمله ولا تنقضي عبادته حتى يأتيه الموت.


 ولهذا قال: "فَلَا تَدَعَنَّ" أي: لا تتركن، وهذا فيه جمال العمل بالعلم، وهل يُراد من العلم إلا العمل..! 


فالعلم وسيلة وغايته العمل


فقد قال -عليه الصلاة والسلام-: "إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ"؛ فلم يجعل انقطاع العمل إلا الموت.

مع دبر الصلاة: ودبر الصلاة -أيها الأحبة- يشمل قبل السلام وما بعد السلام.


"إن شاء المرء أن يقوله قبل السلام، وإن شاء أن يقوله بعد السلام، وهذا ما هو مذكور في حديث مُعاذ "اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ" والمرء مُخيرٌ بين الأمرين، لكن الأفضل والأكمل والأجمل أن يقوله قبل السلام؛ لأنه لا يزال في عبادة وطاعة، ولم ينفصل من صلاته وهو أقرب للإجابة؛ لأن من مواطن إجابة الدعاء -مما يخفى على بعض الرجال والنساء- ما هو قبل السلام؛ ولهذا قال عليه الصلاة السلام: "ثُمَّ سَلْ تُعْطَ".

(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة:5]، سر القرآن في هذه الآية العظيمة سبحان الله..! 

في هذا السر العظيم إشارة وحكمة من ذكر العبادة قبل الاستعانة، فكل عبادة تحتاج إلى إعانة، وحينما تسمع المؤذن يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح، فتقول لا حول ولا قوة إلا بالله فإذا لم يُعنك ربك فإنك لن تقوم، ولن تُصلي..!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "تأملت أنفع الدعاء فوجدته في قوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)[الفاتحة:5]، ثم تأملته فإذا هو في قول: "اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ".


"اللهم أعني" ما لم يكن هناك عون من الله للإنسان على طاعته وعبادته، فليست هناك فائدة، فلا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول عن معصية، ولا قوة على طاعة إلا بالله سبحانه..! 

عود نفسك على الافتقار طيلة حياتك تنل السعادة في الآخرة وفي هذه الدار، واستعن بالله على ذكره وعبادته.. 


قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "تأملت أنفع الدعاء فوجدته سؤال الله العون على مرضاته".


المداومة على الاستعانة وطلب العون والشكر بقلب حاضر سيجد العبد أثرًا ظاهرًا في تيسير أموره وسهولة الصلاة والصيام والتلاوة وسائر العبادات، والثبات عليها.



"أعني على ذكرك" مهما عددنا ورددنا عن فضائل "الذكر" ومحاسنه لن نحصيها..! وكفى به شرفًا وفضلًا أنه سبحانه قال (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ).. 


"سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ" قالوا: مَن يا رسول الله؟ قال: "الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا، وَالذَّاكِرَاتُ"

(وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)

والصلاة والورد اليومي من القرآن وجل الطاعات من الذكر أي: استعن بالله على الحفاظ على الصلاة والورد والطاعات..! 

"وَشُكْرِكَ" الشكر له على فضله وامتنانه، والشكر له ثلاثة أركان: فهو قولٌ باللسان، وعملٌ بالأركان، واعتقادٌ بالجنان.

ولا تكن كمن كانوا يقولون أو كما قيل عنهم أنهم: (يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ)[النحل:83]. 

وحمدًا باللسان (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)[الضحى:11]

فتتحدث ظاهرًا بأن هذه النعمة من الله؛ لتُشعر نفسك بها وتحمد الله -عزَّ وجلَّ- عليها، وتُشعر من حولك بهذه النعمة.

"وحسن عبادتك" القيام بالأعمال على الوجه الأكمل والأتم، ويكون ذلك من صدق الإخلاص للَّه فيها، واتباع ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعدم الابتداع فيها.

{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2]

ليس أكثر بل أحسن، فالنتيجة ليست بالكثرة، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كَرِه الكثرة؛ لأنها قد تؤدي إلى الملل، ثم العجز، فالعبرة بإتقان العمل وإكماله وليست العبرة بكثرته وكميته؛ فعلينا أن نُحسن العبادة فيما أمرنا الله -عزَّ وجلَّ- به، فنقوم بها على الوجه الأكمل.

(أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل) القليل مع الدوام خير من الكثير مع الانقطاع؛ ولذا كان المدار في الأعمال على الإحسان.

ونستذكر ما قاله ابن القيم رحمه الله عن ابن تيمية -رحمه الله- في الوابل الصيب:

"سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل  جنة الآخرة. 

وقال لي مرة: ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، إن رحت فهي معي لا تفارقني، وإن حبسي خلوة وقتلي شهادة، وإخراجي من  بلدي سياحة، وكان يقول في محبسه في القلعة: لو بذلت لهم ملء هذه القلعة ذهباً ما عدل عندي شكر هذه النعمة،وكان يقول في سجوده وهو محبوس: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. 

وقال لي مرة: المحبوس من حبس  قلبه عن ربه تعالى، والمأسور من أسره هواه".


فعلى العبد استحضار هذا الدعاء بقلبه وجوارحه، فيسأل الله العون على الذكر والشكر وحسن العبادة، ونسأل الله القبول والإخلاص.