القائمة الرئيسية

الصفحات

خدمة رسول الله لنفسه بين الفهم السليم والعقيم



 هن كثيرات ممن يتخذن من العاطفة أحكاما تزرع في نفوسهن الهوان وقلة المروءة فيُحرفن النصوص عن مبتغاها ويجعلن لها معانٍ غير الظاهرة منها..! 


ومن هذه المسائل هي مسألة "خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته" وكذلك القول بأن "خدمة المرأة لزوجها من باب الإحسان لا الوجوب".


كان صلى الله عليه وسلم يتولى غسل ملابسه بنفسه، كان يخدم أهله ونفسه ومن ذلك غسل ثوبه، وذكر بعض العلماء أن ذلك محمول على الأحيان، فتارة يقوم بذلك بنفسه وتارة بغيره وتارة بالمشاركة، ففي مسند الإمام أحمد عن عروة عن أبيه، قال: سأل رجل عائشة هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته شيئا، قالت: نعم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصف نعله ويخيط ثوبه ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته.


وقد وقع في حديث آخر لعائشة أخرجه أحمد وابن سعد وصححه ابن حبان من رواية هشام بن عروة عن أبيه قلت لعائشة: ما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصنع في بيته قالت: يخيط ثوبه ويخصف نعله ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم. وفي رواية لابن حبان: ما يعمل أحدكم في بيته. وله ولأحمد من رواية الزهري عن عروة عن عائشة: يخصف نعله ويخيط ثوبه ويرقع دلوه. وله من طريق معاوية بن صالح عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة بلفظ ما كان إلا بشرا من البشر كان يفلى ثوبه، ويحلب شاته ويخدم نفسه.


من يتأمل النصوص يعلم يقينا أن خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت لنفسه حصرا: 


يخصف نعله 

يخيط ثوبه 

يرقع دلوه


"ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم" قالت الرجال في بيوتهم وليس عمل النساء، فتتخلف النسويات والمتدثرات عن كل هذه المعاني وتريد فرض "الخدمات الاشتراكية" بين الزوجة وزوجها وتجعل من هذه النصوص المنافية لمتطلباتها حجة لها..! 


وفي بريقة محمودية : وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ { كان صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفَلِّيَ ثَوْبَهُ أَيْ يُخْلِيَ عَنْ ثَوْبِهِ الْمُؤْذِيَاتِ كَقَمْلٍ وَبُرْغُوثٍ وَيَحْلُبَ شَاتَهُ وَيَخْدُمَ نَفْسَهُ } ، فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَخْدُمُ نَفْسَهُ عُمُومًا وَخُصُوصًا . قَالَ الْمِصْرِيُّ : مَحْمُولٌ عَلَى الْأَحْيَانِ فَتَارَةً بِنَفْسِهِ وَتَارَةً بِغَيْرِهِ وَتَارَةً بِالْمُشَارَكَةِ ، وَفِيهِ نَدْبُ خِدْمَةِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُخِلُّ بِمَنْصِبِهِ وَإِنْ جَلَّ كَمَا فِي الْمُنَاوِيِّ وَعَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَيْضًا { أَنَّهُ كَانَ يَغْسِلُ ثَوْبَهُ وَيَرْفَعُ دَلْوَهُ وَيَعْلِفُ شَاتَهُ وَيَقُمُّ بَيْتَهُ وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ }.


وفي الرحيق المختوم عند ذكر تواضع النبي صلى الله عليه وسلم قال : كان أشد الناس تواضعاً، وأبعدهم عن الكبر، يمنع عن القيام له كما يقومون للملوك، وكان يعود المساكين، ويجالس الفقراء، ويجيب دعوة العبد، ويجلس في أصحابه كأحدهم، قالت عائشة : كان يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويعمل بيده كما يعمل أحدكم في بيته، وكان بشراً من البشر يَفْلِي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه.


فالأمر بالأصل محمول على صفة "التواضع" وليس "الاشتراكية الأسرية" وجعل الزوجة ندا لزوجها..! 



وجوب خدمة المرأة لزوجها 


كانت النساء صحابيات يخدمن أزواجهن كما أخبرت بذلك أسماء بنت أبي بكر عن خدمتها للزبير بن العوام ، وكذا فاطمة الزهراء في خدمة علي رضي الله عنهما وغيرهما ولم يزل عرف المسلمين على أن الزوجة تخدم زوجها الخدمة المعتادة لهما في إصلاح الطعام وتغسيل الثياب والأواني وتنظيف الدور وكذا في سقي الدواب وحلبها وفي الحرث ونحوه كل بما يناسبه وهذا عرف جرى عليه العمل من العهد النبوي إلى عهدنا هذا من غير نكير.

وللنساء حقوق كما أن للرجال عليهن حقوقاً بالمعروف في كل زمان ومكان عليهن بخدمة بيت أزواجهن، فانظر إلى أمهات المؤمنين كن يقمن على خدمة بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم..! 


في الصحيحين من حديث أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها- قالت : كن نعد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - سواكه وطهوره فيبعثه الله من الليل ما يشاء ، وفي الحديث الصحيح عن أم ميمونة-رضي الله عها- قالت : وضعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسل فاتغتسل من الجنابة، فلا أفضل من أمهات المؤمنين وهذه بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكريمة بنت الكريم-صلوات الله وسلامه عليه-رضي الله عنها- فاطمة تخدم زوجها حتى أن يدها تقرحت بسبب طحنها للنوى-رضي الله عنها وأرضاها-.


قال ابن القيم رحمه الله :

فصل في حكم النبي صلى الله عليه وسلم في خدمة المرأة لزوجها.


قال ابن حبيب في " الواضحة " :
حكم النبي صلى الله عليه وسلم بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبين فاطمة رضي الله عنها حين اشتكيا إليه الخدمة ، فحكم على فاطمة بالخدمة الباطنة ، خدمة البيت ، وحكم على عليٍّ بالخدمة الظاهرة .


ثم قال ابن حبيب :
والخدمة الباطنة : العجين ، والطبخ ، والفرش ، وكنس البيت ، واستقاء الماء ، وعمل البيت كله .
وفي الصحيحين أن فاطمة رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يديها من الرحى ، وتسأله خادما فلم تجده ، فذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها ، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرتْه ، قال علي : فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا ، فذهبنا نقوم ، فقال : مكانكما ، فجاء فقعد حتى وجدت برد قدميه على بطني ، فقال : ألا أدلكما على ما هو خير لكما مما سألتما ؟ إذا أخذتما مضاجعكما فسبحا الله ثلاثا وثلاثين ، واحمدا ثلاثا وثلاثين ، وكبرا أربعا وثلاثين ، فهو خير لكما من خادم .
قال علي : فما تركتها بعدُ ، قيل : ولا ليلة صفين ؟ قال : ولا ليلة صفين .


ولما رأى أسماء والعلف على رأسها والزبير معه : لم يقل له : لا خدمة عليها ، وأن هذا ظلم لها ، بل أقره على استخدامها ، وأقر سائر أصحابه على استخدام أزواجهم ، مع علمه بأن منهن الكارهة والراضية ، هذا أمر لا ريب فيه .

وصح عن أسماء أنها قالت كنت أخدم الزبير خدمة البيت كله ، وكان له فرس ، وكنت أسوسه ، وكنت أحتش له ، وأقوم عليه .

وصح عنها أنها كانت تعلف فرسه ، وتسقي الماء ، وتخرز الدلو ، وتعجن ، وتنقل النوى على رأسها من أرض له على ثلثي فرسخ .


فتأمل رده صلى الله عليه وسلم على فاطمة حين كانت تشتكي ما تلقى من الخدمة ، فلم يقل لعليٍّ : لا خدمة عليها ، وإنما هي عليك ، وهو صلى الله عليه وسلم لا يحابي الحكم أحدا .


ولا يصح التفريق بين شريفة ودنيئة ، وفقيرة وغنية ، فهذه أشرف العالمين كانت تخدم زوجها ، وجاءته صلى الله عليه وسلم تشكو إليه الخدمة ، فلم يُشكها .

وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المرأة " عانية " ، فقال : " اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم " ، والعاني : الأسير ، ومرتبة الأسير : خدمة من هو تحت يده .


رفض المرأة لخدمة زوجها مستلزم لانتكاس فطرتها


قال الإمام ابن القيم-رحمه الله- : 

فإن ترفهت المرأة وقام الرجل بكنس بيته وطهي طعامه والعجن والخبز فذلك هو المنكر أي ذلك هو المنكر الذي لم يأذن الله به ، فالمرأة تقوم بما فطرها الله عليه والرجل يقوم بما فطره الله عليه وليس من الفطرة أن الرجل هو الذي يخدم نفسه وهو الذي يقوم برعاية بيته . فإن قالت المرأة أخدم نفسك أو افعل ما تشاء فقد كبرت كلمة تخرج من فمها حينما تخرج عن فطرتها وتباً لها من امرأة تسيء إلى بعلها وتنتزع الرضا منه الذي يكون سببا في دخول جنة الله-عز وجل- قال-صلى الله عليه وسلم - : (( أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة )) .

فإذا أصبحت تحمله أن يقوم بأعباء بيته وتكون مترفة في البيت منعمة أو تطلب منه أن يأتي بمن يخدمه ويقوم عليه ولربما على وجه يوجب الفتنة له فذلك كله خلاف الفطرة ؛ لكن إن وجدت الأمور التي تضطر المرأة إلى أن تطلب من يخدمها فحينئذٍ لا حرج ، ولذلك جاءت فاطمة-رضي الله عنها- تسأل رسول الله-صلى الله عليه وسلم - أن يعطيها خادم فقال-صلى الله عليه وسلم - : (( أولا أدلكما على خير لكم من خادم .. الحديث )) فهذا يدل على أنه لا حرج أن تسأل لكن إذا وجدت الضرورة ووجدت الحاجة ، أما أن تسأل ذلك ترفها واستكباراً أو ظناً منها أنها ما خلقت لهذا أو أن هذا ليس من شأنها فهو خلاف فطره الله وخلاف العشرة بالمعروف التي ينبغي على كل مؤمنة أن تحفظها لبعلها هذه الأمور كلها أمور مهمة ينبغي على المرأة أن تحفظها لبعلها وعلى المرأة الصالحة أن تعلم أنه لا أكمل من شرع الله.



آخر النصيحة


خدمة البيت قد يراه البعض شيئاً يسيراً أو شيئاً صغيراً ؛ لكن عواقبه الحميده على نفسية الزوج حينما يخرج وهو يشعر أن بيته قد قامت برعايته والعناية به زوجه فيدخل وقد هيأت له أمورة وارتحات نفسه واطمأن قلبه وكان أبعد ما يكون عن ما يشوش عليه أو ينغص عليه ويوجب وقوع المشكلات بينه وبين أهله فلما تنكب النساء عن هذه الفطرة السوية أصبحت بيوت المسلمين كأنها مهملة والرجل يدخل إلى بيته فيرى أموراً لا يسر بها الناظر ولربما أن الرجل بنفسه يقوم بكناسة بيته وغسل ثيابه وطهي طعامه، وهذا من الخلل في الهيكلة الأسرية التي تتوجب إعادة التوجيه والإصلاح..!.