القائمة الرئيسية

الصفحات

إسقاط العقيدة الأشعرية بالردود الأشعرية




في هذه المقالة سيتم توضيح تناقض المتأخرين من الأشاعرة مع المتقدمين منهم والعكس مما يُسقط "نهج المبتدعة" من هؤلاء!


فأي "سواد" هذا الذي يزعمون به، لا يتفق فيه المتقدمين والمتأخرين فيما بينهم..! 


فنرى الاختلاف الواضح بين إثبات الصفات كالاستواء من الباقلاني والبهيقي وغيرهم، وممن أتى من الجويني وما بعده، كالرازي والأرنوي..!


فأصبحت الأشعرية ملازمة للصوفية فلا تكاد تجد أشعري إلا وهو صوفي، فلم يكتفوا بنفي العلو والاستواء بل وخلطوا عقيدتهم بعقيدة الصوفية الباطلة القائلة بوحدة الوجود وهذا ما كان عليه الشعراوي! فنص على أن الله ليس في السماء وأنه في كل مكان، وصرح بهذه القضية، ونفى علو الله سبحانه وتعالى على خلقه..!



1/ تناقض المتأخرين مع المتقدمين من الأشاعرة


✓ اعتقاد البهيقي : 


«بَابُ الْقَوْلِ فِي الْقُرْآنِ الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكلَامُ اللَّهِ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ مَخْلُوقًا وَلَا مُحْدَثًا وَلَا حَادِثًا، قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] . فَلوْ كَانَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقًا لَكَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَائِلًا لَهُ كُنْ، وَالْقُرْآنُ قَوْلُهُ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مَقُولًا لَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا يُوجِبُ قَوْلًا ثَانِيًا، وَالْقَوْلُ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي وَفِي تَعَلُّقِهِ بِقَوْلٍ ثَالِثٍ كَالْأَوَّلِ، وَهَذَا يُفْضِي إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ، وَهُوَ فَاسدٌ، وَإِذَا فَسَدَ ذَلِكَ فَسَدَ أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقًا، وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ أَمْرًا أَزَلِيًّا مُتعَلِّقًا بِالْمُكَوَّنِ، فِيمَا لَا يَزَالُ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ مُتَعَلِّقٌ بِصَلَاةِ غَدٍ، وَغَدٌ غَيْرُ مَوْجُودٍ، وَمُتَعَلِّقٌ بِمَنْ يُخْلَقُ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِلَّا أَنَّ تَعْلِيقَهُ بِهِمْ عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي يَصِحُّ فِيمَا بَعْدُ، كَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي التَّكْوِينِ، وَهَذَا كَمَا أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَزَلِيٌّ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَعْلُومَاتِ عِنْدَ حُدُوثِهَا، وَسَمْعُهُ أَزَلِيٌّ مُتَعَلِّقٌ بِإِدْرَاكِ الْمَسْمُوعَاتِ عِنْدَ ظُهُورِهَا، وَبَصَرُهُ أَزَلِيٌّ مُتَعَلِّقٌ بإِدْرَاكِ الْمَرْئِيَّاتِ عِنْدَ وُجُودِهَا مِنْ غَيْرِ حُدُوثِ مَعْنًى فِيهِ تَعَالَى عَنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ، وَأَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ مُحْدَثًا» (1)


مع أن البيهقي من قدماء الأشاعرة، وهذا يؤكد انحراف الأشاعرة المتأخرين عن المتقدمين.. 


الأشاعرة يقولون أن القرآن كلام جبريل عليه السلام أو كلام الرسول صلى الله عليه و سلم وليس كلام الله بعينه..


البيهقي يخالفهم ويقول : 

«وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [التكوير: 19] ، مَعْنَاهُ: قَوْلٌ تَلَقَّاهُ عَنْ رَسُولٍ كَرِيمٍ أَوْ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولٍ كَرِيمٍ، أَوْ نَزَلَ بِهِ رَسُولٌ كَرِيمٌ. فَقَدْ قَالَ: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] ، فَأَثْبَتَ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ وَاحِدٌ كَلَامًا لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكلَامًا لِلَّهِ، دَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ مَا قُلْنَا» (2) 


عند البيهقي كما عند السلف أن كلام الله مسموع و هذا يناقض حجة الكلام النفسي عند الأشاعرة.. 


و كذلك نقل البيهقي بسنده عن يحيي بن سعيد القطان كلام البخاري و يقول أنه لا يخالف قول الإمام أحمد و الأشاعرة يقولون أن لفظ القرآن الكريم مخلوق.. 

«سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَعْنِي الْقَطَّانَ، يَقُولُ: مَا زِلْتُ أَسْمَعُ أَصْحَابَنَا يَقُولُونَ: أَفْعَالُ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ: حَرَكَاتُهُمْ وَأَصْوَاتُهُمْ وَاكْتِسَابُهُمْ وَكِتَابَتُهُمْ مَخْلُوقَةٌ، فَأَمَّا الْقُرْآنُ الْمَتْلُوُّ الْمُبَيَّنُ الْمُثْبَتُ فِي الْمَصَاحِفِ الْمَسْطُورُ الْمَكْتُوبُ الْمُوعَى فِي الْقُلُوبِ فَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49] . قَالَ الشَّيْخُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يُخَالِفُ قَوْلَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْهُ فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى تِلْمِيذِهِ أَبِي طَالِبٍ قَوْلَهُ: لَفْظِي بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَكَرِهَ الْكَلَامَ فِي اللَّفْظِ» (3) 


هذا التناقض يؤكد انحراف المتأخرين عن المتقدمين من الأشاعرة مما يؤكد كذلك هشاشة هذا الاعتقاد و بطلانه.. 


فالسؤال لمَ لا يتبعون ما كان عليه البهيقي و غيره!؟


2/ رد بعضهم على بعض في مقالة التأويل: 



نذكر ما نقله مرتضى الزبيدي عن القشيري اعترافه أن من السلف : الشافعي ومالك وأحمد والمحاسبي والقلانسي اختاروا عدم التأويل للمتشابهات ،، وأن أحمد سد باب التأويل على الإطلاق كما نقل عن والد الجويني أن طريقة كثير من السلف كابن عباس وعامة الصحابة الإعراض عن الخوض في التأويل. (4) 



وقال القشيري : الله تعالى نهى العبد في وصفه ما لم يعلمه وإن كان صادقاً في قوله قال تعالى { وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } (5) 


وقال الجويني: اختلفت مسالك العلماء في هذه الظواهر فرأى بعضهم تأويلها والتزم ذلك في آي الكتاب وما يصح من السنن وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل واجراء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها إلى الله تعالى والذي نرتضيه رأيا وندين الله به عقيدة اتباع سلف الأمة للدليل القاطع على ان إجماع الأمة حجة فلو كان تأويل هذه الظواهر حتما لا وشك ان يكون اهتمامهم به فوق اهتمامهم بفروع الشريعة وإذا انصرم عصر الصحابة والتابعين على الاضراب عن التأويل كان ذلك هو الوجه المتبع. 


ويعارض ابن حجر التأويل جملة وينقل مقرا قول ابن عبد البر: أهل السنة مجمعون على الإقرار بهذه الصفات الواردة في الكتاب والسنة ولم يكيفوا شيئا منها واما الجهمية والمعتزلة والخوارج فقالوا من أقر بها فهو مشبه فسماهم من أقر بها معطلة وقال امام الحرمين في الرسالة النظامية اختلفت مسالك العلماء في هذه الظواهر فرأى بعضهم تأويلها والتزم ذلك في آي الكتاب وما يصح من السنن وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل واجراء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها إلى الله تعالى والذي نرتضيه رأيا وندين الله به عقيدة اتباع سلف الأمة للدليل القاطع على ان إجماع الأمة حجة فلو كان تأويل هذه الظواهر حتما لا وشك ان يكون اهتمامهم به فوق اهتمامهم بفروع الشريعة وإذا انصرم عصر الصحابة والتابعين على الاضراب عن التأويل كان ذلك هو الوجه المتبع . (7) 


ثم عقب ابن حجر قائلا : وقد تقدم النقل عن أهل العصر الثالث وهم فقهاء الأمصار كالثوري والأوزاعي ومالك والليث ومن عاصرهم وكذا من أخذ عنهم من الأئمة فكيف لا يوثق بما اتفق عليه أهل القرون الثلاثة وهم خير القرون بشهادة صاحب الشريعة .


كما أنه ينفي وجوب التأويل الذي نقله الأشعرية وغيرهم ، وبين أن الدليل ثابت على انكفاء السلف عن التأويل واحتج بتوبة الجويني ورجوعه عن التأويل .


3/ رد البيهقي على الرازي وغيره في وجوب التأويل

فقد قرر الرازي في أساس التقديس (182-183) أن مذهب جمهور المتكلمين وجوب الخوض في تأويل المتشابهات .


ويرد البيهقي هذا الإيجاب حيث يرى كما نقله ابن حجر في فتح الباري (4/190) عنه قال : وأسلمها الإيمان بلا كيف والسكوت عن المراد الا أن يرد ذلك عن الصادق فيصار إليه ومن الدليل على ذلك اتفاقهم على أن التأويل المعين غير واجب فحينئذ التفويض أسلم . 


وهو صريح في تفضيل البيهقي التفويض على التأويل .


4/ إثبات الباقلاني للصفات


قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- :

وهكذا ذكر القاضي ابو بكر ابن الباقلاني في عامة كتبه مثل التمهيد والابانة وكتابه الذي سماه كتاب الرد على من نسب الى الاشعري خلاف قوله بعد فصول ذكرها قال : وكذلك قولنا في جميع المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفات الله تعالى اذا ثبتت بذلك الرواية من اثبات اليدين اللتين نطق بهما القرآن والوجه والعينين قال تعالى ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام وقال تعالى كل شيء هالك الا وجهه وقال في قصة ابليس من منعك ان تسجد لما خلقت بيدي وقال بل يداه مبسوطتان وقال تجري بأعيننا قال وروي في الحديث من رواية ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الدجال قال انه أعور وان ربكم ليس بأعور فأثبت له العينين قال وهذا حديث غير مختلف في صحته عند العلماء بالحديث وهو في صحيح البخاري وقال عليه السلام فيما يروى من الاخبار المشهورة وكلتا يديه يمين ونقول انه تعالى يأتي يوم القيامة في ظلل من الغمام.(8) 


5/ مخالفة السبكي لجمهور الأشاعرة في أن الرضا غير الإرادة

نقل السبكي الابن في ترجمة والده السبكي الكبير قال : إن الرضا غير الإرادة ذكره في التفسير في سورة الزمر.(9) 


وخالف جمهور الأشاعرة الزاعمين بأن كل ما يريده الله فهو يحبه ، وأنه يريد الكفر ويحبه ويرضاه ، وأن الإرادة والرضى والمحبة بمعنى واحد .


وعزا السبكي القول باتحاد الإرادة والمحبة إلى جمهور الأشاعرة غير أنه اختار لنفسه خلاف ما اختاره عامة الأشاعرة فقرر أن الرضا غير الإرادة.


6/ الزام الجويني للأشاعرة في الأخذ بظواهر الآيات في جميع الصفات: 

قرر الجويني في فصل اليدان والعينان والوجه ، التأويل لكثير من الصفات الثابتة في الكتاب والسنة ورد على المثبتين ووصفهم بقوله : الحشوية الرعاع المجسمة ..


وجاء على جميع الصفات الخبرية كالوجه واليدين والاستواء والمجيء والنزول ..


ولكنه عاد إلى الحق وقرر هذا الذي أوله ودافع عنه جهده فقال :

فإن قالوا لنا في الاستواء والنزول واليد والوجه والقدم والضحك والتعجب من التشبيه شبهتم نقول لهم في السمع شبهتم ووصفتكم ربكم بالعرض فإن قالوا لا عرض بل كما يليق به قلنا في الاستواء والفوقية لا حصر بل كما يليق به فجميع ما يلزمونا به في الاستواء نلزمهم به في الحياة والسمع فكما لا يجعلونها هم أعراضا كذلك نحن لا نجعلها جوارح ولا ما يوصف به المخلوق وليس من الإنصاف أن يفهموا في الاستواء والنزول والوجه واليد صفات المخلوقين فيتحاجوا إلى التأويل والتحريف . 


فإن فهموا في هذه الصفات ذلك فيلزمهم أن يفهموا في الصفات السبع صفات المخلوقين من الأعراض فما يلزمونا في تلك الصفات من التشبيه والجسمية نلزمهم به في هذه الصفات من العرضية وما ينزهوا ربهم به في الصفات السبع وينفون عنه عوارض الجسم فيها فكذلك نحن نعمل في تلك الصفات التي ينسبونا فيها إلى التشبيه سواء بسواء .(10) 


فسبحان مغير القلوب والأحوال .


7/ ابن العطار يرد على شيخه النووي في تأويل اليدين

قال ابن العطار :

إذا ثبت نص في الكتاب والسنة مثل أن الله خلق آدم بيده ، وأنه كتب التوراة بيده : وجب إثباته وحرم علينا أن نقول : المراد باليدين النعمتين أو القدرتين فهذا تحريف لما فيه من التعطيل ، كيف والإجماع على أن الصفات توقيفية .


وقال : وقد نفى بعضهم النزول وضعّف الأحاديث أو تأولها خوفاً من التحيز أو الحركة والانتقال : والمحققون أثبتوها وأوجبوا الإيمان بها كما يشاء سبحانه .(11) 


وابن العطار من أخص تلاميذ النووي ومع ذلك لم يرضى بتأويلات شيخه وصرح بخلاف كما في النص أعلاه .


وهذه التناقضات ليست من باب الحصر بل من باب الذكر ولازلت العديد والعديد من الردود التي تبطل هذا الاعتقاد الأشعري..!


ولنحمد الله على أن هدانا للمنهج الحق منهج السلف الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين ثم من تبعه من العلماء الناصحين كالأئمة الأربعة وأصحاب الصحاح والسنن والمسانيد وفقهاء الأمصار المتبعين إلى يومنا هذا ..



__________________________

(1) الاعتقاد للبهيقي صـ 94

(2) الاعتقاد للبهيقي صـ 97

(3) الاعتقاد للبهيقي صـ 110

(4) إتحاف السادة المتقين صـ 2/12 و79 و110

(5) التحبير في التذكير صـ 73

(6) الرسالة النظامية صـ 21-24

(6) الفتح (16/179)

(6) العلو للعلي الغفار (1/257)

(7) فتح الباري (16/179) 

(8) بيان تلبيس الجهمية (2/34)

(9) طبقات الشافعية الكبرى (10/150) 

(10) رسالة الاستواء والفوقية 1/74

(11) كتاب الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد صـ 22 و75