القائمة الرئيسية

الصفحات

مَا يَصُدُّهُ ذلكَ عَنْ دِينِهِ..!


عنْ أبي عبدِاللَّهِ خَبَّابِ بْن الأَرتِّ رضي الله عنه قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رسولِ اللَّهِ ﷺ وَهُو مُتَوسِّدٌ بُردةً لَهُ في ظلِّ الْكَعْبةِ، فَقُلْنَا: «أَلا تَسْتَنْصرُ لَنَا أَلا تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ: قَد كَانَ مَنْ قَبْلكُمْ يؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ لَهُ في الأَرْضِ فيجْعلُ فِيهَا، ثمَّ يُؤْتِى بالْمِنْشارِ فَيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجعلُ نصْفَيْن، ويُمْشطُ بِأَمْشاطِ الْحديدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعظْمِهِ، مَا يَصُدُّهُ ذلكَ عَنْ دِينِهِ، واللَّه ليتِمنَّ اللَّهُ هَذا الأَمْر حتَّى يسِير الرَّاكِبُ مِنْ صنْعاءَ إِلَى حَضْرمْوتَ لاَ يخافُ إِلاَّ اللهَ والذِّئْبَ عَلَى غنَمِهِ، ولكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» رواه البخاري.


ونتوقف عند قوله "ما يصده ذلك عن دينه" ونتأمل حال الإيمان بين الأمس واليوم! 


تجد المرء اليوم لا يكاد يقع في نكبة الابتلاء ولا يزال منهمكا في أول عثرة يخرج من الملة! 

قلة صبر وقلة إرادة وقلة وعي!

وكل هذا الضعف ناتجه التخلف عن قافلة الصالحين والملتزمين، أين أنت من زمن كان العداء على المسلم أشد! 

عداء بالظاهر والباطن، وأنت في حال الضياع لا تستطيع جهاد نفسك حتى!

أعدى أعداء المرء نفسه التي بين جنبيه، تحثه على نيل كل مطلوب والفوز بكل لذة حتى وإن خالفت أمر الله وأمر رسوله، والعبد إذا أطاع نفسه وانقاد لها هلك، أما إن جاهدها وزمها بزمام الإيمان، وألجمها بلجام التقوى، فإنه يحرز بذلك نصرا في ميدان من أعظم ميادين الجهاد.

وهذا الجهاد لن يقوم إلا بالصدق!

وهذه هي الشعرة بين القادر والعاجز، بين الملتزم والمذنب!

وتد الثبات على الطاعة والابتعاد عن الذنوب والمعاصي هو "الصدق" 

الصدق من أهم الأمور التي يفتقدها المرء مع التزامه ما يجعله يعيش مرحلة اللاعودة، لا تجد فيه الإرادة على التغيير ليس لعدمها بل لغياب الصدق في نفسه! 

وأكبر مثال هو شهر رمضان الكل يتراجع عن ذنوب كثيرة كان يفعلها لمدة ثلاثين يوما!

وينتكس بعد هذا الشهر بحجة أنه لم يستطع الابتعاد عن الزلات، وكل هذا من حجج الشيطان وعدم صدقه مع نفسه..

متى ما صدقت نفسك وواجهتها بضعفها وقلة إرادتها زاد مُراد التغيير والاستسلام والخضوع لله عز وجل!

لا يمكن لأي شخص آخر الدخول في سريرتك، لكن مواجهتك لنفسك أمر مقدور عليه، فأنت واجه نفسك وحدد صدقك، هل أنت تريد أم لا تريد؟ هل عندك الصدق في الإرادة أو النية أو الترك؟ 


إذا كانت الإجابة أن الضعف من نفسك وليس من الظروف فالعيب في نفسك، لأن الأصل أن من يريد ترك شيء لفعل، لكن الإشكال الحقيقي كما ذكرناها في الأول هو غلبة النفس وحبها للذة والشهوة التي في المعصية فأنت في ذاتك لا تريد التغيير!

والصدق بالمراتب الثلاث هو أمر ضروري في حياتنا:

الصدق مع الله 

الصدق مع النفس

الصدق مع الناس 


الاعتدال بين هذه المراتب هو أمر ضروري لحدوث الانشجام والوسطية المطلوبة في المنظومة الحياتية، لو صدقت مع الله صدقت مع نفسك وصدقت مع الناس، ولو لم تصدق مع الله لكنت ممن { يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم}.. 


تأمل قوله ‏۞ فأُلقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدينَ • قالوا آمَنَّا بِرَبِّ العالمين ۞

مهما كنت غارقا في ظلمة الذنوب ، هناك فرصة لميلاد لحظة التغيير ، سحرة يخاصمون نبيا ثم يسجدون في ساحة المعركة لله..!

فالتوبة لا تحتاج منك التباكي على الأطلال وجلد الذات وإعطائها نصيبا من التمني!

بل التوبة أولها إرادة التغيير وأوسطها ندم وآخرها عزم على عدم العودة!

التغيير هو إرادة صادقة منك مثلما تبتعد عن المعاصي في رمضان والأشهر الحرم يمكنك تركها طول حياتك، لأنها غير ملازمة للفطرة! 


النفس البشرية قائمة على الصواب والخطأ، وتقبلها على هذا النحو هي تعصي وتتوب مع نية الإصلاح في كل خطوة وخير الخطائين التوابون فزامن كل زلة بتوبة إلى أن تموت! 


فلا تجعل من أول نكبة وابتلاء وعثرة وانتكاسة حجة لترك خير الطاعات والعبادات والالتزام بطريق الله عز وجل.. 


فلا تصعب على نفسك باب التوبة والاسترجاع واستعن بالله ولا تعجز..