القائمة الرئيسية

الصفحات

تأسيس الجيل، في غياب الإصلاح والترسيخ العقدي

 


عملية تلقيح وتمرير الأفكار التي ترسخ ضرورة الإنتاجية، خطابات تحمل وجهة نظر واحدة وهي إنتاج جيل جديد وتأسيسه وفق لمعايير معينة "طبعا هذه المعايير تحت ظل الدين الوسطي بمفاهيم غربية من السلم والسلام"، من كل هذا الحوار أين عملية الإصلاح؟، هل نرمي الجيل السابق في حاويات التاريخ؟، الأمة تحتاج إلى الترميم قبل التجديد، إلى الإصلاح قبل الإنتاج والتأسيس، لم يعد الخطاب الدعوي المحصور في العبادات معتبرا! 


الأمة تحتاج إلى عودة المسار على هدي النبي وخطى السلف! 


ويبدأ الأمر بالترسيخ العقدي، لا "الانسلاخ العقدي"، وإلغاء خطاب توحيد الصف، بل الأصل "تمحيص الأمة" لا "اجتماع كلمة الأمة".. 


زرع هذه المفاهيم، يضع حاجزا بين المسلم المعاصر والسلف ممن سبقونا، اعتقادهم ليس كاعتقادنا وتعاملهم غير تعاملنا، فما الفرق بين هذا القول وبين من يقول الأحكام الشرعية غير صالحة لكل زمان ومكان..


اعتقاد السلف ونهجهم هو نهج رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم والواجب علينا اتباعهم، فمن غير هذه النمطية التتباعية سيضرب أصول الإسلام ويطمِس معالِمه، ويُخفت أنواره، ويُوهنُه بشكل يصبح مع تقادم الزمن مجرّد صورة شكليَّة فقط!


بتوحيدك الصف وإعلاء كلمة التوحيد حسب الزعم المنظور هو مخالف لحديث النبي صلى الله عليه وسلم حين قال "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النَّصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمَّة على ثلاث وسبعين فرقة كلُّها في النَّار إلَّا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي."


ضروري على العامي أن يعرف أصل هذا الحديث، كي لا يخلط الحابل بالنابل، يجعل ممن يشرك بالله ويسب النبي وأصحابه ويعطل صفات الله ويخالف السلف في أبواب عدة إخوانا له يوحد معهم الصف! 


هل اتباع السلف أم الخلف أولى؟ يتعاملون مع الآثار تعامل القواعد التي تُعلم ولا يُعمل بها!


كالتعامل مع باب التكفير، أصبح أمرا شكليا فقط لا يتم التعامل به ولا حتى العلم به، والسبب هو التعامل مع هذا الباب بخصوصية الأفراد كهنوت أنانية مما أدى إلى إلغاء باب من أهم أبواب عقيدة الولاء والبراء!


حقيقة المسألة أننا خرجنا من مرحلة التعريف بالإسلام ومعالمه، مع وجود الدعاة واستمرارية التبليغ..


ولكن الناس تماهت مع الفساد ولا يزال هناك تدافع، نواجه قضية محاولة اضمحلال أسس تشريعية لم يختلف عليها عاقلان!


نحن في مرحلة جهل وكفر بواح وردة، لكن الواجهة المرادة غير ذلك، فالهدف هو التخلص من مصطلحات "الكفر" و"الردة"..! 


وهذا بدأ عندما خرج علينا "الدين الإبراهيمي الجديد" بالدعوة إلى التعايش والسلام بين الأديان، وهذا الأصل في دعوى المميعين عقديا هو التعايش والتعاون فكريا ودعويا ومنهجيا وعقديا مع أهل البدع، فما اتفقنا فيه هو رحمة وما لم نتفق فيه هو عذر لكم ولكم ما شئتم! 


وهذا ليس في اعتقاد السلف في شيء!


قال أبو سليمان الدَّاراني -رحمه الله-: "من صفَّى صُفِّي له، ومن كدَّر (يعني خلَّط) كُدِّر عليه."


مجالسة أهل البدع والأهواء والأنس بهم لا يجعل منك "كول" و"متفتح" و"قلبك أبيض لا يحقد" ولا يعطيك صورة المسالم، بل هذا يرمي بك على حافة الضلال والمداهنة في دينك! 


قال ابن مسعود لما ذكر ما يُحدِثه الناس من البدع: يَهْرَبُ بِقَلْبِهِ وَدِينِهِ، لَا يُجَالِسُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ.


وقيل لابن عمر: إن نجدة يقول كذا وكذا، فجعل لا يسمع منه كراهية أن يقع في قلبه شيء.


يقول ابن بطة: ولقد رأيت جماعة من الناس كانوا يلعنون أهل الأهواء ويسبونهم فجالسوهم على سبيل الإنكار والرد عليهم فما زالت بهم المباسطة وخفي المكر ودقيق الكفر حتى صَبَوا إليهم.


موقف السلف من أهل البدع واضح وضوح الشمس في مجلداتهم وكتبهم، فأبو داود يعقد في سننه (باب مجانبة أهل الأهواء وبغضهم) و(باب ترك السلام على أهل الأهواء) وفي (الترغيب والترهيب) للمنذري (الترهيب من حب الأشرار وأهل البدع)، وفي كتاب اللالكائي (سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن مناظرة أهل البدع وجدالهم والمكالمة معهم والاستماع إلى أقوالهم المحدثة وآرائهم الخبيثة)..


قال الأوزاعيُّ - رحمه الله - (وهو يذكر حال السلف مع المبتدعة): 

ﻛﺎﻧﺖ ﺃﺳﻼﻓﻜﻢ ﺗَﺸﺘَﺪُّ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺃﻟﺴﻨﺘﻬﻢ، ﻭﺗَﺸﻤﺌﺰُّ ﻣﻨﻬﻢ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ، ﻭﻳُﺤﺬِّﺭﻭﻥ اﻟﻨﺎﺱ ﺑﺪﻋﺘﻬﻢ.

[البدع لابن وضاح ص 6]


بل إن بعض الأئمة من أهل السنة كان يُمدح لشدته على أهل البدع، كما في ترجمة غير واحد من السلف..! 

واليوم يخجل الرجل من البوح حتى بكفر الأقول دون تكفير الأعيان كأقل تقدير!

بل ويخجل من إيضاح المفارقات الشاسعة بين أهل السنة والجماعة بفهم السلف وبين أهل البدع ومحاولة تقليص حجم المفارقات وجعلها قضايا هامشية لا تغني ولا تسمن من جوع، الأهم هو اجتماع الكلمة وتوحيد الصف!

إحياء الإسلام في إحياء ضرورة انتهاج العقيدة السليمة، ولا يضمن العلم شيئا إن لم يكن التأسيس في الهدي النبوي وما تبعه من فهم السلف، ويكون العمل سبيلا إذا بني على العلم السليم الخال من شوائب التمييع والخروج عن نطاق أعمال السلف ومعاملاتهم، دائما نذكر الإسلام دين رحمة، وفي مقابلة هذه الكفة هو دين عزة، لا تداهن على دينك ليغتر به غيرك ويرحب به قبولا! 


نحن نضع المطلوب والاعتبار يكون بالكتاب والسنة لا بالهوى! ما يهمنا هو عدم التنازل وإنزال الناس والأحكام منازلها، لا نرفع ما لا يرفعه الشرع وهلم جرا.. 

ولا تقلل أبدا من شأن النزاعات العقدية، ولا نصب الاهتمام على باب ونهمش غيره، العناية بمعرفة منهج السلف في الدفاع عن العقيدة هو من العناية بالعقيدة الإسلامية نفسها؛ لأن في ذلك اهتمام بها، وتلمس لمصادرها، وتصفية لها مما يشوبها من البدع، وتلق لها عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين لهم بإحسان.

فمعرفة منهج السلف في الدفاع عن العقيدة يعطي الباحث قوة في الاستدلال والرد على المخالفين..

قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: " هم فوقنا في كل علم وعقل ودين وفضل وكل سبب يُنال به علم أو يُدرك به هدى، ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا"

خذ الأمور خارج صندوق التعصب الشخصي، وانظر إلى المسائل بعين الحياد كي تعرف الحق حقا والباطل باطلا..

وبالله التوفيق..