القائمة الرئيسية

الصفحات

 


قبل الخوض في الحديث والاسترسال في الكلام عن كيفية الإقلاع، أحيي كل من يقرأ ويبحث عن حل، فقد صدق وعده مع الله بالتوبة، وصادق نفسه ليهم بها إلى سبيل التوبة الصادقة، وقرر الخروج من هذه المتاهة!


متى يحدث الإدمان على المعصية؟



عندما تقع التراكمات على عاتق النفس تسقط في هلاك الإدمان!



نحن بفطرتنا السليمة لا نتقبل الشذوذ كمثال، لكن متى يسقط المرء في هذا المستنقع؟، بسبب التراكمات الواقعة على عقله!



أخبث ثغر للشيطان لترسيخ فكرة الشذوذ في قلب الإنسان هو الدخول من باب إدمان مشاهدة الإباحية (الشواذ) فيتعود المرء على هذا، في البداية يشمئز ويتقزز من هذه المناظر ثم يعتاد بعدها!



يعتاد ويعتاد ويعتاد إلى أن يسقط في غفلة التراكمات ويصل إلى مرحلة التصور، يتصور أن هذه الأمور غير منافية للفطرة.



هذا ما يفعله الأنمي كذلك بالضبط!



يظن الكثير من الناس أن الأنمي ليس فيه مخاطر وليس فيه تأثير نفسي، لكن الخفي أعظم! إن لم يكن تأثيره في قضية الاباحية وتلويث الفطرة، كان تقبله للموسيقى والاختلاط والتبرج بشكل طبيعي!



من المواقف التي مررت بها في هذه النقطة بالضبط تحدثت مع فتاة تتابع الأنمي قالت لي أن الأنمي الذي تتابعه ليس فيه مخالفات شرعية، سألتها ماذا عن الموسيقى والاختلاط والتبرج؟ قالت الموسيقى يمكننا خفض الصوت. والاختلاط والتبرج سنلبس الأنمي إسدالا ونغطي وجهها حاضر..



أصبح الأمر فيه استهزاء بشعائر الله والله المستعان!

لا يغير المفاهيم بشكل مباشر بل يتعامل باستراتيجية التراكمات العقلية!

التوبة لله عز وجل لا تكون في قول القائل لن أتابع، لن أشاهد وينتهي الأمر.



من النقاط المهمة التي وجب أن يعرفها أي مدمن معصية (مشاهدة الأنمي، الشذوذ، الإباحية، مخدرات..) وهي متى يقع في الإدمان؟



يدمن بسبب "الفراغ" كل هذه الحالات سببها الأول والرئيسي هو الفراغ!

لا أتذكر حالة من هذه الحالات مرت علي وكانت حالة مهنية شغوفة ليس عندها فراغ في حياتها ونفسها، كلها حالات فراغ روحي، نفسي، عاطفي، بدل تحديد نمط الحياة واستغلال نقطة الفراغ بشكل إيجابي تناوله بشكل سلبي جدا..

يبحث عما يملئ فراغه بملذات وشهوات دنيوية زائلة، ويظن أن السعادة مرتبطة بهذه الأمور.

اعلم أن تلبية الحاجات الدنيوية من المأكل والمشرب والسفر وغير ذلك من الملذات والشهوات مما يبث الفرح المؤقت في النفس، هذه هي اللذة وكلما زادت تلاشى ذاك الشعور، وأكبر دليل هي الذنوب والمعاصي تكون في بدايتها لذة للعاصى ثم يتناقص التصعيد إلى أن يتلاشى فتصبح المعصية عادة لا لذة!

لكن السعادة هي الشعور المستمر المطرد، الروح المغمورة بالرضا والفرح واليقين، حالة كاملة تتلبس صاحبها وترافقه في كل كبيرة وصغيرة، فتخلق منه كيانا جديدا يرى الحياة بعين أخرى غير التي يراها بها الناس.

عليك إذن أن تدرك هذا الفارق جيدا، ولا يلتبس عليك الأمر، لتعلم ان السعادة الحقيقية في حلاوة الإيمان..!


وقبل الشروع في طريق توبتك اسأل نفسك لم وصلت لهذا الحد!


اعلم أن الله عز وجل ما أنزل داءًا إلا وأنزل معه الشفاء "لكل داء دواء"، عليك أن تكون دائم اليقين والتسليم أن الشفاء والتوفيق بيد الله عز وجل. 

كل مسلم هو خطاء وخير الخطائين التوابون!


هذه الخطة مقتبسة من كتاب ابن القيم رحمه الله "الداء والدواء" مع تصرف التحرير والاستنباط.. 


يبدأ العدول عن الإدمان (الإباحية، الأنمي، المخدرات،..) بطريقين وتحل بأمرين:


أولا: الغذاء والوقاية

ثانيا: العلاج

الأولى قبل الولوج في المعصية، الثانية بعد الوقوع في المعصية.


كيفية الغذاء والوقاية، تبدأ من انتشال الأسباب والمسببات للداء:


1- المسبب في الوقوع في هذا الداء، تكون ثغور الشيطان من سفاسف الأمور كما ذكرنا بداية "الفراغ" ليأخذ بك هذا الطريق، فتشاهد وتفعل!


2- ثاني أكبر مسبب يدخل منه الشيطان هو إطلاق البصر، لهءا فرض الله عز وجل غض البصر، وهذا ليس من باب أنك تريد التوبة أو من باب عدم الوقوع في المعصية بل هو فرض وواجب على كل مسلم ومسلمة فإن تركنا هذا الفرض سرح إبليس بنفس العبد إلى أبعد الحدود وأبعد المعاصي والذنوب! 

إطلاق البصر هو رائد اللحظات والشهوات فإن حفظ الإنسان بصره حفظ نفسه.

هذه أهم نقطة، وفي كلام ابن القيم رحمه الله « الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده» 

اصبر على غض البصر، واصبر على مرور لحظات الشهوة واصبر على ترك هذه المعاصي، واصبر على وساوس الشيطان تكسب الدنيا وما فيها! خير من الألم الذي سيأتي بعد المعصية ترك ألف مرة.. 

من غض بصره عوضه الله عز وجل خيرا!

أولها نور بصيرتك، ثانيها فتح الله عز وجل عليك باب العلم والإيمان والمعرفة..، يرزقك الله من حيث لا تحتسب، من صان نفسه عن الحرام أغناه الله بالحلال! 


3- الثغرة الثالثة وهي الخواطر!

يدخل الشيطان للإنسان من باب الخواطر بشكل كبير وعظيم لا يمكن تصوره سبحان الله!

الخاطرة مبدأ الخير والشر تتولد منها الإرادات والهمم!

معالجة مسألة البصر بغضه، ومعالجة الخواطر تبدأ بتقييدها نحو الأمور الحسنة بدل الولوج بها إلى مستنقع المعاصي والآثام!

من أعظم الخطوات في هذه القضية هو توجيه الخواطر نحو التفكر في آيات الله عز وجل، والإكثار من قراءة في القرآن بتدبر وفهم وتفسير، كذلك التأمل في أسماء الله وصفاته ( كالتواب، الكريم، الرحمان، الرحيم،..)


تأمل نعم الله عز وجل، وهذا الباب دائما ما نربطه بحال من هم أكثر وأكبر منك هما، تأمل أهل غزة نصرهم الله، من شغل نفسه بآلام أمته احتقر ذنبه ومعصيته.. 


رابع نقطة، اشغل نفسك بعيوبها تدارس النقاط السلبية فيها وحاول العمل على تغييرها وتطويرها، كسرعة الغضب، ضعف الشخصية، الحساسية الزائدة، وغيرها من الصفات المسببة لأزمة الإدمان على المعاصي!

فقم بتطوير ذاتك الى الأفضل والأسلم!


النقطة الخامسة هي واجب الوقت، ماذا يعني واجب الوقت؟، واجب الوقت هو مزيل لفكرة "فراغ الوقت"

والأصل أنه لا مكان لهذا المصطلح لهذا في حياة المسلم ويومه! 


{فإذا فرغت فانصب} فقال الله عز وجل لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم فإذا فرغت من أمور الدنيا، انصب إلى ربك بالعبادة والدعاء، فالمؤمن تشغله أمور الدنيا من العلم، والعمل، والمأكل، والمشرب، وغيرها من الأمور.. 

فإذا فرغ منها اشتغل بالعبادة والدعاء! 

لأن الفراغ ثغر من ثغور، فإن لم يشغل هذا الثغر شغله الشيطان! 

فإذا لم يشتغل لسانك، أشغل الشيطان عقلك بالوساوس! 

فعليك بواجب الوقت، لا تترك الدقائق ولا الساعات تمر دون أجر، وهذا بإبداء النية، واجعل من العادات اليومية عبادات، العلم عبادة، والعمل عبادة، المأمل والمشرب عبادة، الرياضة عبادة.. 

فقط انوِ أنها لله، تقوي جسمك للعبادة والوقوف بين يدي الله! 

لا تشغل نفسك بمفهوم "فراغ الوقت" كي لا يشغلك الشيطان!


فالقاعدة عند المسلم السوي إن انتهى من عمله الدنيوي ذهب إلى عمل يربحه الآخرة، وإن انتهى من عمله ومن دراسته اشتغل بعبادته، فإن لم تشتغل يداه اشتغل لسانه، وإن لم يشتغل لسانه اشتغل عقله بالتفكر في نعم الله عز وجل وفي آياته.. 

اشتغل بواجب الوقت في باب العبودية، في باب الافتقار، في باب التذلل لله عز وجل، في باب الخضوع والخضوع لله!


التنفير وأزمة الإدمان! 


من أهم الحلول النفسية لترك الإدمان هو التنفير.


والتنفير قسمان:


1- تنفير شرعي: مستنبط من الكتاب والسنة

2- تنفير عملي: متعلق بالسلوك (من الطرق المتبعة في العلاج النفسي للشذوذ أو إدمان المخدرات الشذوذ [ باستخدام المطاط كمثال فكلما جاء في نفس العبد شعور الميل إلى المعصية يضرب يده بالمطاط] ومن الطرق كذلك ربط الشعور بأمور سيئة تشمئز منها النفس، تخيل الأمور التي تكرهها في نفسك وتسبب لك أزمة بالشعور اتجاه تلك المعاصي..


في مرحلة التوبة تحتاج إلى وعي وإدراك، إدراك بالخطر، وإدراك ضرورة الابتعاد عن هذا الذنب.. 


في طريقك نحو التوبة تغذى بأمرين:- 


1- شجاعة القلب

2- قوة الإدراك : تدرك المعصية وحجم المعصية وأثر المعصية.


هذه النقاط مهمة جدا.. 


آخر نقطة وأعظم النقاط وهو الدعاء، الدعاء أعظم سلاح للمؤمن مع اعتبار شروطه، وآدابه، وتحري أوقات الإجابة، واستحضار القلب..


كل هذه النقاط في باب الغذاء والوقاية من الوقوع، وإن وقعت فاعلم أن علاجك واحد فقط! 


علاجك هو التوبة والاستغفار! 


تب إلى الله بندم، وانكسار، وعزم على الترك وعزم على اللاعودة، أخلص النية لله عز وجل واستعن به واعلم أن التوفيق بيده، "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" اجعل هذا الحديث يحاذيك في يومك اشغل به نفسك وقلبك..!


ونختم هذا المقال إن شاء الله يكلام ابن تيمية -رحمه الله- سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

ما دواء من تحكم فيه الداء، وما الاحتيال فيمن تسلط عليه الخبال، وما العمل فيمن غلب عليه الكسل، وما الطريق إلى التوفيق، وما الحيلة فيمن سطت عليه الحيرة؟

فأجاب:

1- دواؤه الالتجاء إلى الله تعالى 

2- ودوام التضرع إلى الله سبحانه 

3- والدعاء بأن يتعلم الأدعية المأثورة 

4- ويتوخّى الدعاء في مظان الإجابة مثل آخر الليل، وأوقات الأذان والإقامة، وفي سجوده، وفي أدبار الصلوات..

5- ويضم إلى ذلك الاستغفار؛ فإنه من استغفر الله ثم تاب إليه متّعه متاعا حسنا إلى أجل مسمى..

6- وليتخذ وردا من الأذكار طرفي النهار ووقت النوم وليصبر على ما يعرض له من الموانع والصوارف فإنه لا يلبث أن يؤيّده الله بروح منه، ويكتب الإيمان في قلبه..

7- وليحرص على إكمال الفرائض من الصلوات الخمس بباطنه وظاهره، فإنها عمود الدين..

8- ولتكن هجّيراه لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإنه بها يحمل الأثقال ويكابد الأهوال وينال رفيع الأحوال

9- ولا يسأم من الدعاء والطلب، فإن العبد يستجاب له ما لم يعجل فيقول: قد دعوت فلم يستجب لي وليعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا ولم ينل أحد شيئا من جسيم الخير - نبي فمن دونه - إلا بالصبر والحمد لله رب العالمين 

(جامع المسائل لشيخ الإسلام)


نسأل الله عز وجل أن يكون هذا المقال خالصا لوجهه الكريم، وأن يكون كافيا شافيا لمن أصابه مرض من أمراض القلوب والنفوس والله المستعان.. 


اللهم إن نسأل العفو والعافية في الدنيا والآخر..