القائمة الرئيسية

الصفحات

تفصيل مسألة "التوسل بجاه النبي (بذاته)"


 التوسل بجاه النبي ( أي بذاته ) 


سأضع ثلاث حجج لمن يزعم بهذا الأمر : 


1- استدلوا بقوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } 


✓ قال ابن كثير رحمه الله تعالى عند تفسير الآية المذكورة: يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين بتقواه، وهي إذا قرنت بطاعته كان المراد بها الانكفاف عن المحارم وترك المنهيات، وقد قال بعدها: (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ)


✓ قال سفيان الثوري عن طلحة عن عطاء عن ابن عباس : أي القربة. 


✓ قال مجاهد و أبو وائل و الحسن و قتادة و عبد الله بن كثير و السدي و ابن زيد و غير واحد، وقال قتادة: أي تقربوا إليه بطاعته، والعمل بما يرضيه. 


وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه، فلا دلالة في الآية إذن إلى ما ذهبوا إليه من جواز التوسل بذات النبي صلى الله عليه و سلم.. 


2- ما رواه البخاري عن عمر رضي الله عنه قال: {اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبيك فاسقنا، فيسقون }


✓ هذا الحديث حجة على من يقول بجواز التوسل بذات النبي صلى الله عليه و سلم لأن توسل الصحابة بدعاء الرجل الصالح الحي الحاضر لا توسل بذاته و بعد وفاته توسلوا بعمه الحي بدلا عنه! 


فو أُجيز التوسل بذاته صلى الله عليه و سلم لكان الصحابة توسلوا به بعد وفاته! 


و هذا دليل كافي على أن إطلاق حكم التوسل بعد وفاته صلى الله عليه و سلم لا دليل عليه.. 


قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وأما التوسل بدعائه وشفاعته كما قال عمر، فإنه توسل بدعائه لا بذاته، ولهذا عدلوا عن التوسل به إلى التوسل بعمه العباس، ولو كان التوسل هو بذاته لكان هذا أولى من التوسل بالعباس، فلما عدلوا عن التوسل به إلى التوسل بالعباس علم أن ما يفعل في حياته قد تعذر بموته بخلاف التوسل الذي هو الإيمان به والطاعة له، فإنه مشروع دائماً فلفظ التوسل يراد به ثلاثة معان:

أحدها: التوسل بطاعته، فهذا لا يتم الإيمان إلا به.

والثاني: التوسل بدعائه وشفاعته، وهذا كان في حياته، ويكون يوم القيامة يتوسلون بشفاعته.

الثالث: التوسل بمعنى الإقسام به، بمعنى الإقسام على الله بذاته، فهذا هو الذي لم تكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه لا في حياته ولا بعد مماته لا عند قبره ولا غير قبره، ولا يعرف هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم، وإنما ينقل شيء من ذلك في أحاديث ضعيفة مرفوعة وموقوفة، أو عن من ليس قوله حجة كما سنذكر ذلك إن شاء الله تعالى، وهذا هو الذي قال أبو حنيفة وأصحابه: إنه لا يجوز ونهوا عنه حيث قالوا: لا يسأل بمخلوق، ولا يقول أحد أسألك بحق أنبيائك.


{ قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لابن تيمية صـ ٨٠-١٨١ } 

{ مجموع الفتاوى ١/‏٢٠٢ } 


و قال أيضا ابن تيمية : [ لو كان توسلهم به في مماته كتوسلهم به في حياته لكان توسلهم به أولى من توسلهم بعمه العباس ويزيد وغيرهم، فهل كان فيهم في حياته من يعدل عن التوسل به، والاستشفاع إلى التوسل بالعباس وغيره؟ وهل كانوا وقت النوازل والجدب يَدَعونه ويأتون العباس؟ ] 


و قال : [ ليس من المعقول أن يقر الصحابة عمر رضي الله عنه على الانصراف عن التوسل بالنبي ﷺ إلى التوسل بغيره، ولم ينكروا عليه، فيلزم أحد أمرين: إما أن يكون المهاجرون والأنصار جاهلين بهذه التسوية وهذا الطريق. أو أنهم سلكوا في مطلوبهم أبعد طريق ] 


{ الرد على البكري لابن تيمية صـ ١٢٦ }


3- حديث أنّ رجلًا ضريرَ البصرِ أتى النَّبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ فقالَ: ادعُ اللهَ أن يُعافيَني قالَ: إن شئتَ دعَوتُ لك وإن شئتَ صَبرتَ فَهوَ خيرٌ لَكَ. قالَ: فادعُهْ، قالَ: فأمرَهُ أن يتوضَّأَ فيُحْسِنَ وضوءَهُ ويدعوَ بِهَذا الدُّعاءِ: اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ وأتوجَّهُ إليكَ بنبيِّكَ محمَّدٍ نبيِّ الرَّحمةِ، إنِّي أتوجَّهُ بِكَ إلى ربِّي في حاجَتي هذِهِ لتُقضى ليَ، اللَّهمَّ فشفِّعهُ فيَّ.. 


هذا الحديث رواه الترمذي والنسائي وأحمد ولفظ الترمذي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "إن شئت دعوت لك، وإن شئت صبرت فهو خير لك، فقال: فادعه...". 


في هذا الحديث علم الرسول صلى الله عليه و سلم الأعمى أن يتوسل به في حياته كما ذكر عمر أنهم كانوا يتوسلون به و هو حي.. 


و كذلك كان التوسل به إلى الله في الدعاء، فمنهم من يقول أن هذا يقتضي جواز التوسل به مطلقا حيا أو ميتا! 

 وهذا يحتج به من يتوسل بذاته بعد موته وفي مغيبه ويظن هؤلاء أن توسل الأعمى والصحابة في حياته كان بمعنى أنهم سألوا الله بذاته و هذا باطل.. 


وهذا الأعمى شفع له النبيصلى الله عليه وسلم فلهذا قال في دعائه: «اللهم فشفعه في» فعلم أنه شفيع فيه ولفظه «إن شئت صبرت، وإن شئت دعوت لك فقال: ادع لي» فهو طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي ويدعو هو أيضا لنفسه ويقول في دعائه «اللهم شفعه في» فهذا الموضع دلالة على أن معنى قوله: «أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد» = بدعائه وشفاعته

✓ كما قال عمر: (اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبيك فتسقينا)


فالحديثان متوافقان في المعنى و الحكم فصلى الله عليه وسلم علَّم رجلا أن يتوسل به في حياته كما ذكر عمر أنهم كانوا يتوسلون به إذا أجدبوا ثم إنهم بعد موته إنما كانوا يتوسلون بغيره بدلاً عنه وهو عمه.. 

فلو كان التوسل به حيا وميتا سواء لم يعدلوا عن التوسل به وهو أفضل الخلق وأكرمهم على ربه وأقربهم إليهم وسيلة إلى أن يتوسلوا بغيره ممن ليس مثله!! 


و نسأل الله التوفيق.. 


من باب الإفادة